أي : يسرّ له الطريق إلى الخير والشرّ. وقال السدي ومقاتل وعطاء وقتادة : يسّره للخروج من بطن أمه ، والأوّل أولى. ومثله قوله : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (١) وانتصاب السبيل بمضمر يدل عليه الفعل المذكور ، أي : يسّر السبيل يسّره (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) أي : جعله بعد أن أماته ذا قبر يوارى فيه إكراما له ، ولم يجعله مما يلقى على وجه الأرض تأكله السباع والطير ، كذا قال الفراء : وقال أبو عبيدة : جعل له قبرا وأمر أن يقبر فيه. وقال أقبره ، ولم يقل قبره ، لأن القابر هو الدافن بيده ، ومنه قول الأعشى :
لو أسندت ميتا إلى صدرها (٢) |
|
عاش ولم ينقل إلى قابر |
(ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) أي : ثم إذا شاء إنشاره أنشره ، أي : أحياه بعد موته ، وعلق الإنشار بالمشيئة للدلالة على أن وقته غير متعين ، بل هو تابع للمشيئة. قرأ الجمهور : (أَنْشَرَهُ) بالألف ، وروى أبو حيوة عن نافع وشعيب بن أبي حمزة «نشره» بغير ألف ، وهما لغتان فصيحتان (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) كلا : ردع وزجر للإنسان الكافر ، أي : ليس الأمر كما يقول. ومعنى : «لما يقض ما أمره» : لم يقض ما أمره الله به من العمل بطاعته واجتناب معاصيه ، وقيل : المراد الإنسان على العموم ، وأنه لم يفعل ما أمره الله به مع طول المدّة لأنه لا يخلو من تقصير. قال الحسن : أي حقا لم يعمل ما أمر به. وقال ابن فورك : أي كلّا لما يقض الله لهذا الكافر ما أمره به من الإيمان ، بل أمره بما لم يقض له. قال ابن الأنباري : الوقف على كلا قبيح والوقف على أمره جيد ، وكلّا على هذا بمعنى حقا. وقيل : المعنى : لما يقض جميع أفراد الإنسان ما أمره ، بل أخلّ به ؛ بعضها بالكفر ، وبعضها بالعصيان ، وما قضى ما أمره الله إلا القليل.
ثم شرع سبحانه في تعداد نعمه على عباده ليشكروها ، وينزجروا عن كفرانها بعد ذكر النعم المتعلقة بحدوثه فقال : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) أي : ينظر كيف خلق الله طعامه الّذي جعله سببا لحياته؟ وكيف هيأ له أسباب المعاش يستعدّ بها للسعادة الأخروية؟ قال مجاهد : معناه فلينظر الإنسان إلى طعامه ، أي : إلى مدخله ومخرجه ، والأوّل أولى. ثم بيّن ذلك سبحانه فقال : (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) قرأ الجمهور : «إنا» بالكسر على الاستئناف. وقرأ الكوفيون ورويس عن يعقوب بالفتح على أنه بدل من طعامه بدل اشتمال ؛ لكون نزول المطر سببا لحصول الطعام ، فهو كالمشتمل عليه ، أو بتقدير لام العلّة. قال الزجاج : الكسر على الابتداء والاستئناف ، والفتح على معنى البدل من الطعام. المعنى : فلينظر الإنسان إلى أنا صببنا الماء صبّا ، وأراد بصبّ الماء المطر. وقرأ الحسن بن عليّ بالفتح والإمالة (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا) أي : شققناها بالنبات الخارج منها بسبب نزول المطر شقا بديعا لائقا بما يخرج منه في الصغر والكبر والشكل والهيئة. ثم بيّن سبب هذا الشقّ وما وقع لأجله فقال : (فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا) يعني الحبوب الّذي يتغذى بها ، والمعنى : أن النبات لا يزال ينمو ويتزايد إلى أن يصير حبا ، وقوله : (وَعِنَباً) معطوف على «حبا» ، أي : وأنبتنا فيها عنبا ، قيل : وليس من لوازم العطف أن يقيد المعطوف بجميع ما قيد به المعطوف عليه ، فلا ضير في خلوّ إنبات العنب عن شقّ
__________________
(١). البلد : ١٠.
(٢). في تفسير القرطبي (١٩ / ٢١٩) : نحرها.