قال الفراء : أمشاج : اختلاط ماء الرجل وماء المرأة والدم والعلقة ، ويقال : مشج هذا ؛ إذا خلط ، وقيل : الأمشاج : الحمرة في البياض والبياض في الحمرة. قال القرطبي : وهذا قول يختاره كثير من أهل اللغة. قال الهذلي :
كأنّ الرّيش والفوقين منه |
|
خلاف النّصل سيط به (١) مشيج |
وذلك لأن ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فيخلق منهما الولد. قال ابن السّكّيت : الأمشاج : الأخلاط لأنها ممتزجة من أنواع يخلق الإنسان منها ذا طباع مختلفة. وقيل : الأمشاج لفظ مفرد كبرمة أعشار ، ويؤيد هذا وقوعه نعتا لنطفة ، وجملة : (نَبْتَلِيهِ) في محل نصب على الحال من فاعل خلقنا ، أي : مريدين ابتلاءه ، ويجوز أن يكون حالا من الإنسان ، والمعنى : نبتليه بالخير والشرّ وبالتكاليف. قال الفراء : معناه والله أعلم : (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) لنبتليه وهي مقدّمة معناها التأخير ؛ لأن الابتلاء لا يقع إلا بعد تمام الخلقة ، وعلى هذا تكون هذه الحال مقدّرة ، وقيل : مقارنة. وقيل : معنى الابتلاء : نقله من حال إلى حال على طريقة الاستعارة ، والأوّل أولى. ثم ذكر سبحانه أنه أعطاه ما يصحّ معه الابتلاء فقال : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) أي : بينّا له ، وعرّفناه طريق الهدى والضّلال والخير والشّرّ ؛ كما في قوله : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (٢) قال مجاهد : أي بينا السبيل إلى الشقاء والسعادة. وقال الضحاك والسدّي وأبو صالح : السبيل هنا خروجه من الرحم ، وقيل : منافعه ومضارّه التي يهتدي إليها بطبعه وكمال عقله ، وانتصاب شاكرا وكفورا على الحال من مفعول (هَدَيْناهُ) أي : مكناه من سلوك الطريق في حالتيه جميعا ، وقيل : على الحال من سبيل على المجاز ، أي : عرّفناه السبيل إما سبيلا شاكرا وإما سبيلا كفورا. وحكى مكّي عن الكوفيين أن قوله : إما : هي إن شرطية زيدت بعدها ما ، أي : بينّا له الطريق إن شكر وإن كفر. واختار هذا الفرّاء ، ولا يجيزه البصريون لأن إن الشرطية لا تدخل على الأسماء إلا أن يضمر بعدها فعل ، ولا يصح هنا إضمار الفعل لأنه كان يلزم رفع شاكرا وكفورا. ويمكن أن يضمر فعل ينصب شاكرا وكفورا ، وتقديره : إن خلقناه شاكرا فشكور وإن خلقناه كافرا فكفور ، وهذا على قراءة الجمهور : (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) بكسر همزة إما. وقرأ ابن السّمّال وأبو العجاج بفتحها ، وهي على الفتح إما العاطفة في لغة بعض العرب ، أو هي التفصيلية وجوابها مقدّر ، وقيل : انتصب شاكرا وكفورا بإضمار كان ، والتقدير : سواء كان شاكرا أو كان كفورا. ثم بيّن سبحانه ما أعدّ للكافرين فقال : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً) قرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم وهشام عن ابن عامر سلاسلا بالتنوين ، ووقف قنبل وابن كثير وحمزة بغير ألف ، والباقون وقفوا بالألف. ووجه من قرأ بالتنوين في سلاسل مع كون فيه صيغة منتهى الجموع أنه قصد بذلك التناسب لأن ما قبله وهو : (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) ، وما بعده وهو (أَغْلالاً وَسَعِيراً)
__________________
(١). «سيط به» : أي خرج شيء من الريش مختلط من الدم والماء.
(٢). البلد : ١٠.