من عجيب تدبيره ، فينزل المطر ويخرج النبات ، ويأتي بالليل والنهار ، والصيف والشتاء ، ويخلق الحيوانات على اختلاف أنواعها وهيئاتها فينقلهم من حال إلى حال. قال ابن كيسان : وهذا هو مجال اللغة واتساعها ، كما يقال للموت : أمر الله ، وللريح والسحاب ونحوها. قرأ الجمهور : «يتنزل الأمر» من التنزل ورفع الأمر على الفاعلية ، وقرأ أبو عمرو في رواية عنه «ينزل» من الإنزال ، ونصب الأمر على المفعولية والفاعل الله سبحانه ، واللام في (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) متعلق بخلق ، أو بيتنزل أو بمقدر ، أي : فعل ذلك لتعلموا كمال قدرته وإحاطته بالأشياء ، وهو معنى (وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) فلا يخرج عن علمه شيء منها كائنا ما كان ، وانتصاب علما على المصدرية ، لأن أحاط بمعنى علم ، أو هو صفة لمصدر محذوف ، أي : أحاط إحاطة علما ، ويجوز أن يكون تمييزا.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً) يقول : لم ترحم (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) يقول : عظيما منكرا. وأخرج ابن مردويه (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً ـ رَسُولاً) قال : محمدا صلىاللهعليهوسلم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال له رجل : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) إلى آخر السورة ، فقال ابن عباس : ما يؤمنك أن أخبرك بها فتكفر؟. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، والبيهقي في الشعب ، من طريق أبي الضحى عن ابن عباس في قوله : (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) قال : سبع أرضين في كلّ أرض نبي كنبيكم ، وآدم كآدم ، ونوح كنوح ، وإبراهيم كإبراهيم ، وعيسى كعيسى. قال البيهقي : هذا إسناده صحيح ، وهو شاذ بمرة ، لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعا. وأخرج ابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، عن ابن عمرو قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الأرضين بين كل أرض والتي تليها مسيرة خمسمائة عام ، والعليا منها على ظهر حوت قد التقى طرفاه في السماء ، والحوت على صخرة ، والصخرة بيد ملك. والثانية مسخر الريح ، فلما أراد الله أن يهلك عادا أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا يهلك عادا ، فقال : يا رب أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور؟ فقال له الجبار : إذن تكفأ (١) الأرض ومن عليها ، ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم ، فهي التي قال الله في كتابه : (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) (٢). والثالثة فيها حجارة جهنم ، والرابعة فيها كبريت جهنم ، فقالوا : يا رسول الله أللنار كبريت؟ قال : نعم ، والّذي نفسي بيده ؛ إن فيها لأودية من كبريت ، لو أرسل فيها الجبال الرواسي لماعت» إلى آخر الحديث. قال الذهبي متعقبا للحاكم : هو حديث منكر. وأخرج عثمان بن سعيد الدارمي عن ابن عباس قال : سيد السموات السماء التي فيها العرش ، وسيد الأرضين الأرض التي نحن فيها.
* * *
__________________
(١). في المستدرك للحاكم : تكفي.
(٢). الذاريات : ٤٢.