وآخر ، فالأوّل إجلاء بني النضير ، والأوسط إجلاء أهل خيبر ، والآخر يوم القيامة.
وقد أجمع المفسرون على أن هؤلاء المذكورين في الآية هم بنو النضير ، ولم يخالف في ذلك إلا الحسن البصري فقال : هم بنو قريظة ، وهو غلط. فإن بني قريظة ما حشروا ، بل قتلوا بحكم سعد بن معاذ لما رضوا بحكمه ، فحكم عليهم بأن تقتل مقاتلتهم ، وتسبى ذراريهم ، وتغنم أموالهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لسعد : لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة. واللام في «لأوّل الحشر» متعلقة ب «أخرج» ، وهي لام التوقيت ، كقوله : (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ). (ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا) هذا خطاب للمسلمين ، أي : ما ظننتم أيها المسلمون أن بني النضير يخرجون من ديارهم لعزّتهم ومنعتهم ، وذلك أنهم كانوا أهل حصون مانعة وعقار ونخيل واسعة ، وأهل عدد وعدّة (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ) أي : وظنّ بنو النضير أن حصونهم تمنعهم من بأس الله ، وقوله «ما نعتهم» خبر مقدّم ، و «حصونهم» مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر «أنهم» ، ويجوز أن يكون «ما نعتهم» خبر «أنهم» ، و «حصونهم» فاعل «ما نعتهم». ورجّح الثاني أبو حيان ، والأوّل أولى (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) أي : أتاهم أمر الله من حيث لم يخطر ببالهم أنه يأتيهم أمره من تلك الجهة ، وهو أنه سبحانه أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم بقتالهم وإجلائهم وكانوا لا يظنون ذلك ، وقيل : هو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف ، قاله ابن جريج والسدّي وأبو صالح ، فإنّ قتله أضعف شوكتهم. وقيل : إن الضمير في «أتاهم» و «لم يحتسبوا» للمؤمنين ، أي : فأتاهم نصر الله من حيث لم يحتسبوا ، والأوّل أولى ؛ لقوله : (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) فإن قذف الرعب كان في قلوب بني النضير ، لا في قلوب المسلمين. قال أهل اللغة : الرعب : الخوف الّذي يرعب الصدر ، أي : يملؤه ، وقذفه : إثباته فيه. وقيل : كان قذف الرعب في قلوبهم بقتل سيدهم كعب بن الأشرف ، والأولى عدم تقييده بذلك وتفسيره به ، بل المراد بالرعب الّذي قذفه الله في قلوبهم هو الّذي ثبت في الصحيح من قوله صلىاللهعليهوسلم : «نصرت بالرّعب مسيرة شهر». (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) وذلك أنهم لما أيقنوا بالجلاء حسدوا المسلمين أن يسكنوا منازلهم ، فجعلوا يخربونها من داخل ، والمسلمون من خارج. قال قتادة والضحاك : كان المؤمنون يخربون من خارج ليدخلوا ، واليهود من داخل ليبنوا به ما خرّب من حصنهم. قال الزجاج : معنى تخريبها بأيدي المؤمنين أنهم عرّضوها لذلك. قرأ الجمهور : (يُخْرِبُونَ) بالتخفيف ، وقرأ الحسن والسلمي ونصر بن عاصم وأبو العالية وأبو عمرو بالتشديد. قال أبو عمرو : إنما اخترت القراءة بالتشديد ، لأن الإخراب ترك الشيء خرابا ، وإنما خربوها بالهدم. وليس ما قاله بمسلّم ، فإن التخريب والإخراب عند أهل اللغة بمعنى واحد. قال سيبويه : إن معنى فعلت وأفعلت يتعاقبان ، نحو : أخبرته وخبّرته ، وأفرحته وفرّحته ، واختار القراءة الأولى أبو عبيد وأبو حاتم. قال الزهري وابن زيد وعروة بن الزبير : لما صالحهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم على أن لهم ما أقلّت الإبل ؛ كانوا يستحسنون الخشبة أو العمود فيهدمون بيوتهم ، ويحملون ذلك على إبلهم ، ويخرب المؤمنون باقيها. وقال الزهري أيضا : يخربون بيوتهم بنقض المعاهدة ، وأيدي المؤمنين بالمقاتلة. وقال أبو عمرو : بأيديهم في تركهم لها ، وبأيدي المؤمنين في إجلائهم عنها ، والجملة إما مستأنفة لبيان ما فعلوه ، أو في محل نصب على الحال (فَاعْتَبِرُوا يا