أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦))
قوله (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أي : أخبروني (إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) يعني ما يوحى إليه من القرآن ، وقيل : المراد محمد صلىاللهعليهوسلم ، والمعنى : إن كان مرسلا من عند غير الله ، وقوله : (وَكَفَرْتُمْ بِهِ) في محل نصب على الحال بتقدير قد ، وكذلك قوله : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) والمعنى : أخبروني إن كان ذلك في الحقيقة من عند الله ، والحال أنكم قد كفرتم به ، وشهد شاهد من بني إسرائيل العالمين بما أنزل الله في التوراة على مثله ، أي : القرآن من المعاني الموجودة في التوراة المطابقة له من إثبات التوحيد والبعث والنشور وغير ذلك ، وهذه المثلية هي باعتبار تطابق المعاني وإن اختلفت الألفاظ. وقال الجرجاني : مثل صلة : والمعنى : وشهد شاهد عليه أنه من عند الله ، وكذا قال الواحدي. (فَآمَنَ) الشاهد بالقرآن لما تبيّن له أنه من كلام الله ومن جنس ما ينزله على رسله ، وهذا الشاهد من بني إسرائيل هو عبد الله بن سلام كما قال الحسن ومجاهد وقتادة وعكرمة وغيرهم ، وفي هذا نظر فإن السورة مكية بالإجماع ، وعبد الله بن سلام كان إسلامه بعد الهجرة ، فيكون المراد بالشاهد رجلا من أهل الكتاب قد آمن بالقرآن في مكة وصدّقه ، واختار هذا ابن جرير ، وسيأتي في آخر البحث ما يترجّح به أن عبد الله بن سلام ، وأن هذه الآية مدنية لا مكية. وروي عن مسروق أن المراد بالرجل موسى عليهالسلام. وقوله : (وَاسْتَكْبَرْتُمْ) معطوف على شهد ، أي : آمن الشاهد واستكبرتم أنتم عن الإيمان (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) فحرمهم الله سبحانه الهداية لظلمهم لأنفسهم بالكفر بعد قيام الحجّة الظّاهرة على وجوب الإيمان ، ومن فقد هداية الله له ضلّ.
وقد اختلف في جواب الشرط ماذا هو؟ فقال الزجّاج : محذوف تقديره أتؤمنون ، وقيل : قوله : (فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) وقيل : محذوف بتقديره : فقد ظلمتم ؛ لدلالة (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) عليه ، أي : تقديره : فمن أضلّ منكم ، كما في قوله : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُ) (١) الآية. وقال أبو علي الفارسي : تقديره : أتأمنون عقوبة الله ، وقيل : التقدير : ألستم ظالمين. ثم ذكر سبحانه نوعا آخر من أقاويلهم الباطلة فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي : لأجلهم ، ويجوز أن تكون هذه اللام هي لام التبليغ (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) أي : لو كان ما جاء به محمد من القرآن والنبوّة خيرا ما سبقونا إليه لأنهم عند أنفسهم المستحقّون للسبق إلى كلّ مكرمة ، ولم يعلموا أن الله سبحانه يختصّ برحمته من يشاء ، ويعزّ من يشاء ، ويذلّ من يشاء ، ويصطفي لدينه من يشاء (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ)
__________________
(١). فصلت : ٥٢.