(وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) في الكلام مضاف محذوف ، كما حكاه الواحدي عن المفسرين ، أي : تجعلون شكر رزقكم أنكم تكذبون بنعمة الله فتضعون التكذيب موضع الشكر. وقال الهيثم : إن أزد شنوءة يقولون : ما رزق فلان؟ أي : ما شكره. وعلى هذه اللغة لا يكون في الآية مضاف محذوف بل معنى الرزق والشكر. ووجه التعبير بالرزق عن الشكر أن الشكر يفيض زيادة الرزق فيكون الشكر رزقا تعبيرا بالسبب عن المسبب ، ومما يدخل تحت هذه الآية قول الكفار إذا سقاهم الله ، وأنزل عليهم المطر : سقينا بنوء كذا ، ومطرنا بنوء كذا. قال الأزهري : معنى الآية وتجعلون بدل شكركم رزقكم الّذي رزقكم الله التكذيب بأنه من عند الله الرّزاق. وقرأ عليّ وابن عباس «وتجعلون شكركم» وقرأ الجمهور (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) بالتشديد من التكذيب ، وقرأ عليّ وعاصم في رواية عنه بالتخفيف من الكذب. (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) أي : فهلا إذا بلغت الروح ، أو النفس ، الحلقوم عند الموت ، ولم يتقدّم لها ذكر ؛ لأن المعنى مفهوم عندهم إذا جاءوا بمثل هذه العبارة ، ومنه قول حاتم طيء :
أماويّ ما يغني الثّراء عن الفتى |
|
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر |
(وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) إلى ما هو فيه ذلك الّذي بلغت نفسه أو روحه الحلقوم. قال الزجاج : وأنتم يا أهل الميت في تلك الحال ترون الميت قد صار إلى أن تخرج نفسه ، والمعنى أنهم في تلك الحال لا يمكنهم الدفع عنه ، ولا يستطيعون شيئا ينفعه أو يخفف عنه ما هو فيه (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) أي : بالعلم والقدرة والرؤية ، وقيل : أراد ورسلنا الذين يتولون قبضه أقرب إليه منكم (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) أي : لا تدركون ذلك لجهلكم بأن الله أقرب إلى عبده من حبل الوريد ، أو لا تبصرون ملائكة الموت الذين يحضرون الميت ويتولون قبضه (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ـ تَرْجِعُونَها) يقال : دان السلطان رعيته ؛ إذا ساسهم واستعبدهم. قال الفراء : دنته ملكته ، وأنشد للحطيئة :
لقد ديّنت أمر بنيك حتّى |
|
تركتهم أدّق من الطّحين |
أي : ملّكت ، ويقال دانه ؛ إذا أذله واستعبده ، وقيل : معنى مدينين محاسبين ، وقيل : مجزيين ، ومنه قول الشاعر :
ولم يبق سوى العدوا |
|
ن دنّاهم كما دانوا |
والمعنى الأوّل ألصق بمعنى الآية ، أي : فهلّا إن كنتم غير مربوبين ومملوكين ترجعونها ، أي : النفس التي قد بلغت الحلقوم إلى مقرّها الّذي كانت فيه (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ولن ترجعوها ، فبطل زعمكم إنكم غير مربوبين ولا مملوكين ، والعامل في قوله : إذا بلغت هو قوله : ترجعونها ، ولو لا الثانية تأكيد للأولى. قال الفراء : وربما أعادت العرب الحرفين ومعناهما واحد. ثم ذكر سبحانه طبقات الخلق عند الموت وبعده فقال : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) أي : السابقين من الثلاثة الأصناف المتقدّم تفصيل أحوالهم (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) قرأ الجمهور (فَرَوْحٌ) بفتح الراء ، ومعناه الراحة من الدنيا والاستراحة من أحوالها. وقال