أي : لا يكون شربكم شربا معتادا بل يكون مثل شرب الهيم التي تعطش ولا تروى بشرب الماء ، ومفرد الهيم : أهيم ، والأنثى هيماء. قال قيس بن الملوح :
يقال به داء الهيام أصابه |
|
وقد علمت نفسي مكان شفائها |
وقال الضحاك وابن عيينة والأخفش وابن كيسان : الهيم : الأرض السهلة ذات الرمل ، والمعنى : أنهم يشربون كما تشرب هذه الأرض الماء ولا يظهر له فيها أثر. قال في الصحاح : الهيام بالضم : أشد العطش ، والهيام كالجنون من العشق ، والهيام : داء يأخذ الإبل تهيم في الأرض لا ترعى ، يقال : ناقة هيماء ، والهيماء أيضا : المفازة لا ماء بها ، والهيام بالفتح : الرمل الّذي لا يتماسك في اليد للينه ، والجمع هيم ، مثل قذال وقذل ، والهيام بالكسر الإبل العطاش. (هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) قرأ الجمهور : (نُزُلُهُمْ) بضمتين ، وروي عن أبي عمرو وابن محيصن بضمة وسكون ، وقد تقدم أن النزل ما يعدّ للضيف ، ويكون أوّل ما يأكله ، ويوم الدين يوم الجزاء وهو يوم القيامة ، والمعنى : أن ما ذكر من شجر الزقوم وشراب الحميم هو الّذي يعدّ لهم ويأكلونه يوم القيامة ، وفي هذا تهكّم بهم ؛ لأن النزل هو ما يعدّ للأضياف تكرمة لهم ، ومثل هذا قوله : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (١).
وقد أخرج الحاكم وصحّحه ، والبيهقي عن أبي أمامة قال : «كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقولون : إن الله ينفعنا بالأعراب ومسائلهم ، أقبل أعرابي يوما فقال : يا رسول الله ذكر في القرآن شجرة مؤذية ، وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها. قال : وما هي؟ قال : السدر فإن لها شوكا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أليس الله يقول : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ)؟ يخضد الله شوكه فيجعل مكان كل شوكة ثمرة ، فإنها تنبت ثمرا يتفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لونا من الطعام ما منها لون يشبه الآخر». وأخرج ابن أبي داود والطبراني ، وأبو نعيم في الحلية ، وابن مردويه عن عيينة بن عبد السلمي قال : «كنت جالسا مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، فجاء أعرابي فقال : يا رسول الله أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكا منها : يعني الطلح ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصية التيس الملبود ـ يعني : الخصيّ منها ـ فيها سبعون لونا من الطعام لا يشبه لون آخر» وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (سِدْرٍ مَخْضُودٍ) قال : خضده : وقره من الحمل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طرق عنه قال : المخضود : الّذي لا شوك فيه. وأخرج عبد بن حميد عنه أيضا قال : المخضود : الموقر الّذي لا شوك فيه. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب في قوله : (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) قال : هو الموز. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طرق عن ابن عباس مثله. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن
__________________
(١). آل عمران : ٢١ والتوبة : ٣٤ والانشقاق : ٢٤.