(وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) أي : ومن دون تينك الجنتين الموصوفتين بالصفات المتقدّمة جنتان أخريان لمن دون أصحاب الجنتين السابقتين من أهل الجنة ، ومعنى «من دونهما» أي : من أمامهما ومن قبلهما ، أي : هما أقرب منهما وأدنى إلى العرش ، وقيل : الجنتان الأوليان جنة عدن وجنة النعيم ، والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى. قال ابن جريج : هي أربع جنات : جنتان منهما للسابقين المقرّبين (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) و «عينان تجريان» ، وجنتان لأصحاب اليمين (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) و (فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) قال ابن زيد : إن الأوليين من ذهب للمقرّبين ، والأخريين من ورق (١) لأصحاب اليمين (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإنها كلها حقّ ونعم لا يمكن جحدها. ثم وصف سبحانه هاتين الجنتين الأخريين فقال : (مُدْهامَّتانِ) وما بينهما اعتراض. قال أبو عبيدة والزجاج : من خضرتهما قد اسودّتا من الرّيّ ، وكل ما علاه السواد ريا فهو مدهم. قال مجاهد : مسودتان ، والدّهمة في اللغة : السواد ، يقال فرس أدهم وبعير أدهم ؛ إذا اشتدّت زرقته حتى ذهب البياض الّذي فيه (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن جميعها نعم ظاهرة واضحة لا تجحد ولا تنكر (فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) النضخ : فوران الماء من العين ، والمعنى : أن في الجنتين المذكورتين عينين فوّارتين. قال أهل اللغة : والنضخ بالخاء المعجمة أكثر من النضح بالحاء المهملة. قال الحسن ومجاهد : تنضخ على أولياء الله بالمسك والعنبر والكافور في دور أهل الجنة كما ينضخ رشّ المطر. وقال سعيد بن جبير : إنها تنضخ بأنواع الفواكه والماء (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإنها ليست بموضع للتكذيب ولا بمكان للجحد (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) هذا من صفات الجنتين المذكورتين قريبا ، والنخل والرمان وإن كانا من الفاكهة لكنهما خصّصا بالذكر لمزيد حسنهما وكثرة نفعهما بالنسبة إلى سائر الفواكه ؛ كما حكاه الزجاج والأزهري وغير هما. وقيل : إنّما خصّهما لكثرتهما في أرض العرب ، وقيل : خصّهما لأن النخل فاكهة وطعام ، والرمان فاكهة ودواء. وقد ذهب إلى أنهما من جملة الفاكهة جمهور أهل العلم ، ولم يخالف في ذلك إلا أبو حنيفة ، وقد خالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن من جملتها هذه النعم التي في جنات النعيم ، ومجرّد الحكاية لها أثر في نفوس السامعين وتجذبهم إلى طاعة ربّ العالمين (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) قرأ الجمهور : (خَيْراتٌ) بالتخفيف ، وقرأ قتادة وابن السّميقع وأبو رجاء العطاردي وبكر بن حبيب السهمي وابن مقسم والنهدي بالتشديد ، فعلى القراءة الأولى هي جمع خيرة بزنة فعلة بسكون العين ، يقال : امرأة خيرة وأخرى شرّة ، أو جمع خيرة مخفّف خيّرة ، وعلى القراءة الثانية جمع خيّرة بالتشديد. قال الواحدي : قال المفسرون : الخيرات : النساء خيرات الأخلاق وحسان الوجوه. قيل : وهذه الصفة عائدة إلى الجنان الأربع ، ولا وجه لهذا ، فإنه قد وصف نساء الجنتين الأوليين بأنهنّ قاصرات الطرف (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) وبين الصفتين بون بعيد (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن شيئا منها كائنا ما كان لا يقبل التكذيب (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) أي : محبوسات ، ومنه القصر ، لأنه يحبس من فيه ، والحور جمع حوراء ، وهي شديدة بياض العين شديدة سوادها ، وقد تقدّم بيان معنى الحوراء
__________________
(١). «ورق» : فضة.