فكأنّما هي من تقادم عهدها |
|
رقّ أتيح كتابها مسطور |
وأما الرّقّ بالكسر فهو المملوك ، يقال عبد رقّ وعبد مرقوق (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) في السماء السابعة. وقيل : في سماء الدنيا ، وقيل : هو الكعبة ، فعلى القولين الأوّلين كون وصفه بالعمارة باعتبار من يدخل إليه من الملائكة ويعبد الله فيه. وعلى القول الثالث يكون وصفه بالعمارة حقيقة أو مجازا ؛ باعتبار كثرة من يتعبّد فيه من بني آدم (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) يعني السماء ، سمّاها سقفا لكونها كالسقف للأرض ، ومنه قوله : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) (١) وقيل : هو العرش (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) أي : الموقد ، من السجر : وهو إيقاد النار في التنور ، ومنه قوله : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (٢) وقد روي أن البحار تسجر يوم القيامة فتكون نارا ، وقيل : المسجور : المملوء ، وقيل : إنه من أسماء الأضداد ، يقال : بحر مسجور ، أي : مملوء ، وبحر مسجور ، أي : فارغ ، وقيل : المسجور : الممسوك ، ومنه ساجور الكلب ، لأنه يمسكه. وقال أبو العالية : المسجور الّذي ذهب ماؤه ، وقيل : المسجور المفجور ، ومنه : (وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) (٣) وقال الربيع ابن أنس : هو الّذي يختلط فيه العذب بالمالح. والأوّل أولى ، وبه قال مجاهد والضحاك ومحمد بن كعب والأخفش وغيرهم (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) هذا جواب القسم ، أي : كائن لا محالة لمن يستحقه (ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) يدفعه ويردّه عن أهل النار ، وهذه الجملة خبر ثان لأن ، أو صفة لواقع ، و «من» مزيدة للتأكيد. ووجه تخصيص هذه الأمور بالإقسام بها أنها عظيمة دالّة على كمال القدرة الربانية (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) العامل في الظرف «لواقع» أي : إنه لواقع في هذا اليوم ، ويجوز أن يكون العامل فيه دافع. والمور : الاضطراب والحركة. قال أهل اللغة : مار الشيء يمور مورا ؛ إذا تحرك وجاء وذهب ، قاله الأخفش وأبو عبيدة ، وأنشد بيت الأعشى :
كأنّ مشيتها من بيت جارتها |
|
مشي (٤) السّحابة لا ريث ولا عجل |
وليس في البيت ما يدلّ على ما قالاه إلا إذا كانت هذه المشية المذكورة في البيت يطلق المور عليها لغة. وقال الضحاك : يموج بعضها في بعض ، وقال مجاهد : تدور دورا ، وقيل : تجري جريا ، ومنه قول الشاعر (٥) :
وما زالت القتلى تمور دماؤها |
|
بدجلة حتّى ماء دجلة أشكل (٦) |
ويطلق المور على الموج ، ومنه ناقة موّارة اليد ، أي : سريعة تموج في مشيها موجا ، ومعنى الآية أن العذاب
__________________
(١). الأنبياء : ٣٢.
(٢). التكوير : ٦.
(٣). الانفطار : ٣.
(٤). في تفسير القرطبي : مور.
(٥). هو جرير.
(٦). «الأشكل» : ما فيه بياض وحمرة.