كل هذه المواقف وغيرها تدل على تفاوت
الصحابة في فهم معاني القرآن الكريم ؛ ولذلك قال ابن قتيبة : «إن العرب لا تستوي
في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه ، بل إن بعضها يفضل في ذلك على
بعض» .
هذا ، وقد بدأ الصحابة شارعين في تفسير
القرآن الكريم ـ على تخوف وتحرج ـ بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم
معتمدين في تفسيرهم على القرآن الكريم نفسه ، أو على تفسير النبي صلىاللهعليهوسلم
لبعض الآيات وتشريعاته الأخرى
، أو الاجتهاد والاستنباط ، أو أهل الكتاب من اليهود والنصارى أحيانا ، فالصحابة ـ
رضوان الله عليهم ـ مقتدين برسول الله صلىاللهعليهوسلم
اعتمدوا القرآن في تفسير القرآن الكريم حتى قال الدكتور الذهبي : «هذا هو تفسير
القرآن بالقرآن ، وهو ما كان يرجع إليه الصحابة في تعرف بعض معاني القرآن ، وليس
هذا عملا آليّا لا يقوم على شيء من النظر ، وإنما هو عمل يقوم على كثير من التدبر
والتعقل ؛ إذ ليس حمل المجمل على المبين ، أو المطلق على المقيد ، أو العام على
الخاص ، أو إحدى القراءتين على الأخرى بالأمر الهين الذي يدخل تحت مقدور كل إنسان
، وإنما يعرفه أهل العلم والنظر خاصة» .
ثم إنهم لجئوا لتفسير الرسول صلىاللهعليهوسلم
لبعض آيات القرآن ، فقد «تناقلوا فيما بينهم ، تفسير رسول الله صلىاللهعليهوسلم
وما فهموه من القرآن وأقرهم عليه ، كما هو الشأن في تناقلهم للأحاديث والآثار التي
رووها عنه ، على ما وردت به وصايا الرسول صلىاللهعليهوسلم»
.
غير أن الصحابة لم يتوقف جهدهم التفسيري
عند حد النقل والرواية عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم
بل لجئوا مع ذلك إلى طريقين جديدين :
الأول
: الاجتهاد والاستنباط :
كان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ إذا
لم يجدوا التفسير في كتاب الله تعالى ، ولم يتيسر لهم أخذه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم
رجعوا إلى اجتهادهم ، فأعملوا رأيهم ، وكانت أدواتهم في الاجتهاد هي : معرفة أوضاع
اللغة وأسرارها ، ومعرفة عادات العرب ، ومعرفة أحوال اليهود والنصارى في جزيرة
العرب وقت نزول القرآن وقوة الفهم ، وسعة الإدراك ، ومن ثم
__________________