يقول أبو عذبة : إنه لو وقع منه ـ سبحانه وتعالى ـ تعذيب العبد الطائع لم يكن ذلك منه ظلما ولا عدوانا ؛ لأنه متصرف في ملكه بالتعذيب وتركه ، فله ما يختار منهما ، لكنه سبحانه وتعالى جاد في حق العباد بالإحسان إليهم بترك العقاب.
وبذلك يظهر أن تعذيب الطائع لا يقع من الله سبحانه وتعالى شرعا عند كل من الماتريدية والأشاعرة ، لكن الأشاعرة يجيزون وقوع ذلك عقلا ؛ لأن الله تعالى متصرف في ملكه (١).
المسألة الثالثة : التكوين
لقد اختلف الماتريدية مع الأشاعرة في مسألة التكوين ، فقد أثبتها الماتريدية ، ونفاها الأشاعرة ، كما سيظهر فيما يلي :
الماتريدية :
يقول السادة الماتريدية بأن التكوين صفة حقيقية زائدة غير القدرة والإرادة ؛ إذ هو صفة أزلية ، وغير المكون الحادث ، وقدم التكوين لا يستلزم قدم المكوّن ، وأما كون التكوين غير المكوّن ؛ لأنه لو كان التكوين عين المكوّن لم يكن من الله تعالى شيء يوجب كونه خالقا للعالم سوى أن ذات الباري أقدم من العالم ، وكون ذاته أقدم من غيره لا يوجب كونه خالقا. والقول بأن التكوين عين المكوّن يؤدي إلى قدم العالم ، وكونه بنفسه لا بغيره ، وما لا يحتاج في حصوله إلى غيره كان قديما ، فدل ذلك على أن التكوين غير المكوّن (٢).
يقول الماتريدي : «إن صفته التي هي الفعل هي صفة ذاته ، فيقال : الله خالق ورحمان ورحيم وقد سمى به ذاته».
الأشاعرة :
أما الأشاعرة فيقولون بأن التكوين ليس صفة حقيقية له ، لكنه أمر اعتباري يحصل في العقل من نسبة المؤثر إلى الأثر ، وإضافته إليه ، فهو من صفات الأفعال ، وهي عند الأشعرية حادثة ، لا من الصفات الذاتية ، والتكوين عين المكوّن ، والتخليق هو القدرة
__________________
(١) انظر : نظم الفرائد وجمع الفوائد ، لشيخي زاده (ص ٣٠). وانظر كذلك الروضة البهية (ص ١٥٧) وما بعدها.
(٢) انظر : أبو منصور الماتريدي وآراؤه الكلامية ، (ص ١٨٥) وما بعدها.