يقول أحد الباحثين : «ولقد أعان بعض الصحابة على فهم القرآن عدة عوامل منها : معرفتهم بعادات العرب وتقاليدهم ، ومعرفة طرائق اللغة العربية وأسرارها في التعبير ، ثم معرفة أسباب النزول ، وما أحاط بالآيات من ظروف وملابسات تعين على فهمها ؛ ولهذا قالوا : معرفة سبب نزول الآية يعين على فهمها ، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب ، ثم ما يعطاه أحدهم من فهم وسعة إدراك يمكنه من الوصول إلى مراد الآيات» (١).
وقد روى البخاري ما يؤكد ذلك عن أبي جحيفة (٢) قال : قلت لعلي ـ رضي الله عنه ـ : «هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال : لا ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ما أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن ، وما في هذه الصحيفة.
قلت : وما في هذه الصحيفة؟ قال : العقل ، وفكاك الأسير ، وألا يقتل مسلم بكافر» (٣).
وفي هذا الأثر دليل على إعمال الصحابة رأيهم ، واجتهادهم في تفسير القرآن الكريم ، والكشف عن غوامضه ، لكن ينبغي التأكيد على أن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ كانوا متفاوتين في معرفتهم بالأدوات المشار إليها ، وقد ترتب عليه تفاوتهم في فهم معاني القرآن.
الثاني : أهل الكتاب من اليهود والنصارى (٤).
بدأ الأخذ عن أهل الكتاب منذ عهد الصحابة مع شيء من التقييد والتحديد ، ولعل
__________________
(١) السابق ص (٥٠) ، وينظر : السيوطي : الإتقان (طبعة الحلبي ، القاهرة ١٩٧٨ م) (١ / ٣٨) ، وابن تيمية : مقدمة في أصول التفسير ، تحقيق : عدنان زرزور (طبعة الكويت ١٩٧١ م) ص (٤٧).
(٢) انظر : تهذيب الكمال (٣ / ١٤٧٨) ، وتهذيب التهذيب (١١ / ١٦٤) (٢٨١) وتقريب التهذيب (٢ / ٣٣٨) ، والكاشف (٣ / ٣٤٤) ، والتاريخ الكبير للبخاري (٨ / ١٦٣).
(٣) أخرجه البخاري (١ / ٢٧٥) كتاب العلم باب كتابة العلم (١١١) وأطرافه في (١٨٧٠ ، ٣٠٤٧ ، ٣١٧٢ ...) ، والحميدي (٤٠) ، وأحمد (١ / ٧٩) ، والترمذي (٣ / ٨٠) كتاب الديات باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر (٢٦٥٨) ، والنسائي (٨ / ٢٣) كتاب القسامة باب سقوط القود من المسلم للكافر ، والشافعي (٢ / ١٠٤) ، والطيالسي (٩١) ، وعبد الرزاق (١٨٥٠٨) ، والطحاوي في شرح المعاني (٢ / ١٩٢) ، والبزار (٤٨٦) ، والبيهقي (٨ / ٢٨).
(٤) جاء اليهود والنصارى إلى جزيرة العرب قبل ظهور الإسلام بمئات السنين ، فقد انتشرت المسيحية على نطاق واسع ، وبخاصة في أطراف الجزيرة ، كما غلب اليهود على أقاليم كاملة منها ، وهذا الوجود اليهودي والنصراني في شبه الجزيرة العربية كان له بالطبع أثر ثقافي على العرب فيما قبل الإسلام ، كما كان للعرب في الجاهلية رحلاتهم شرقا وغربا ، وسجل القرآن الكريم إحداها ، وهي رحلة قريش : شتاء إلى اليمن ، وصيفا إلى الشام.
ولما جاء الإسلام كان من الطبيعي أن تكون هناك حوارات ومجادلات بين النبي ـ صلى الله عليه ـ