والمواقف الدالة على ذلك كثيرة ، منها ما أخرج أبو عبيدة من طريق مجاهد عن ابن عباس قال : «كنت لا أدري ما فاطر السموات؟ حتى أتاني أعرابيان يتخاصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، يقول : أنا ابتدأتها» (١).
وروى عكرمة عن ابن عباس قال : «ما كنت أدري ما قوله تعالى : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) [الأعراف : ٨٩] حتى سمعت ابنة ذي يزن الحميري وهي تقول : أفاتحك ، تعني أقاضيك» (٢).
وأظهر ما يدل على تفاوت فهم الصحابة للنصوص ما روي أن الصحابة فرحوا عند نزول قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة : ٣] ؛ حيث ظنوا أنها إخبار وبشرى بكمال الدين ، ولكن عمر بكى وقال : ما بعد الكمال إلا النقص ؛ مستشعرا نعي النبي صلىاللهعليهوسلم (٣).
وروى البخاري عن ابن عباس قال : «كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فكأن بعضهم وجد في نفسه ، وقال : لم يدخل هذا معنا وإن لنا أبناء مثله؟ فقال عمر : إنه من أعلمكم ، فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم ، فما رأيت أنه دعاني فيهم إلا ليريهم ، فقال : ما تقولون في قوله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) [النصر : ١]؟ فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا ، وسكت بعضهم ولم يقل شيئا ، فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت : لا ، فقال : وما تقول؟ قلت : هو أجل رسول صلىاللهعليهوسلم أعلمه الله له ، قال : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) [النصر : ١] فذلك علامة أجلك ، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) [النصر : ٣] ، فقال عمر : لا أعلم منها إلا ما تقول» (٤).
__________________
(١) أخرجه أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس كما في الدر المنثور للسيوطي (٥ / ٤٥٨).
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (٦ / ٤) (١٤٨٦٧) و (١٤٨٦٩) ، وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن الأنباري في الوقف والابتداء والبيهقي في الأسماء والصفات كما في الدر المنثور (٣ / ١٩١).
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره (٤ / ٤١٩) (١١٠٨٧) ، وابن أبي شيبة عن عمر بنحوه كما في الدر المنثور (٢ / ٤٥٦).
وذكر له طريقا آخر عنه أخرجه إسحاق بن راهويه.
(٤) أخرجه البخاري (٩ / ٧٦٠) كتاب التفسير باب قوله (فسبح بحمد ربك واستغفره) (٤٩٧٠) والطبري (١٢ / ٧٣٠) (٣٨٢٣٧) و (٣٨٢٣٨) و (٣٨٢٣٩) ، وسعيد بن منصور وابن سعد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم معا في الدلائل كما في الدر المنثور (٦ / ٦٩٨).