كل هذه المواقف وغيرها تدل على تفاوت الصحابة في فهم معاني القرآن الكريم ؛ ولذلك قال ابن قتيبة : «إن العرب لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه ، بل إن بعضها يفضل في ذلك على بعض» (١).
هذا ، وقد بدأ الصحابة شارعين في تفسير القرآن الكريم ـ على تخوف وتحرج ـ بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم معتمدين في تفسيرهم على القرآن الكريم نفسه ، أو على تفسير النبي صلىاللهعليهوسلم لبعض الآيات وتشريعاته الأخرى (٢) ، أو الاجتهاد والاستنباط ، أو أهل الكتاب من اليهود والنصارى أحيانا ، فالصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ مقتدين برسول الله صلىاللهعليهوسلم اعتمدوا القرآن في تفسير القرآن الكريم حتى قال الدكتور الذهبي : «هذا هو تفسير القرآن بالقرآن ، وهو ما كان يرجع إليه الصحابة في تعرف بعض معاني القرآن ، وليس هذا عملا آليّا لا يقوم على شيء من النظر ، وإنما هو عمل يقوم على كثير من التدبر والتعقل ؛ إذ ليس حمل المجمل على المبين ، أو المطلق على المقيد ، أو العام على الخاص ، أو إحدى القراءتين على الأخرى بالأمر الهين الذي يدخل تحت مقدور كل إنسان ، وإنما يعرفه أهل العلم والنظر خاصة» (٣).
ثم إنهم لجئوا لتفسير الرسول صلىاللهعليهوسلم لبعض آيات القرآن ، فقد «تناقلوا فيما بينهم ، تفسير رسول الله صلىاللهعليهوسلم وما فهموه من القرآن وأقرهم عليه ، كما هو الشأن في تناقلهم للأحاديث والآثار التي رووها عنه ، على ما وردت به وصايا الرسول صلىاللهعليهوسلم» (٤).
غير أن الصحابة لم يتوقف جهدهم التفسيري عند حد النقل والرواية عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بل لجئوا مع ذلك إلى طريقين جديدين :
الأول : الاجتهاد والاستنباط :
كان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ إذا لم يجدوا التفسير في كتاب الله تعالى ، ولم يتيسر لهم أخذه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجعوا إلى اجتهادهم ، فأعملوا رأيهم ، وكانت أدواتهم في الاجتهاد هي : معرفة أوضاع اللغة وأسرارها ، ومعرفة عادات العرب ، ومعرفة أحوال اليهود والنصارى في جزيرة العرب وقت نزول القرآن وقوة الفهم ، وسعة الإدراك ، ومن ثم
__________________
(١) المسائل والأجوبة (ص ٨) ، وينظر : د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٣٩).
(٢) تم التعرض لهذين المصدرين : القرآن والسنة بوصفهما مفسرين للقرآن الكريم ، وأنهما كانا المصدرين الوحيدين للتفسير في العهد النبوي ، وقد اعتمدهما الصحابة أيضا.
(٣) د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٤٣ ، ٤٤).
(٤) د. محمد إبراهيم شريف : بحوث في تفسير القرآن الكريم ص (٥١ ، ٥٢).