عن سبب بقائكم في الكفر وفي الأعمال السيئة ، لأننا قد بلغناكم رسالة ربكم ـ عزوجل ـ ، ونصحناكم بالإقلاع عن الشرك والمعاصي.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ ، (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ، أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ ، وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (١).
ثم أمره ـ سبحانه ـ أن يذكرهم بيوم القيامة وما فيه من حساب دقيق ، فقال : (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ).
أى : وقل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ إن الله ـ تعالى ـ بقدرته سيجمعنا وإياكم يوم القيامة ، ثم يحكم بيننا جميعا بحكمه العادل ، وهو ـ سبحانه ـ (الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) أى : الحاكم في كل أمر بالحكم الحق ، المطلع على جميع أحوال عباده.
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه الآيات بتوجيه رسوله صلىاللهعليهوسلم إلى أن يقول لهم قولا يخرس به ألسنتهم ، ويبطل حججهم فقال : (قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ) والرؤية هنا بصرية. ومفعولها الأول الياء ، ومفعولها الثاني الاسم الموصول ، ولفظ شركاء : حال.
أى : وقل لهم ـ أيضا ـ للمرة الخامسة على سبيل إلزامهم الحجة : أرونى وأطلعونى على أصنامكم التي ألحقتموها بالله ـ تعالى ـ في العبادة ، واتخذتموها شركاء له في الطاعة ... إنها ما هي إلا أشياء لا تضر ولا تنفع ، وأنتم تعرفون ذلك عنها ، وها هي أمامكم واقعها وحالها ينبئ بعجزها التام ، فكيف أشركتموها مع الله ـ تعالى ـ في العبادة والطاعة؟
فالمقصود من الرؤية إشهادهم على عجزها ، وتبكيتهم على جهالاتهم ، وحضهم على نبذ الشركاء ، وإخلاص العبادة لله الواحد القهار.
ويحتمل أن تكون الرؤية هنا علمية ، فيكون لفظ (شُرَكاءَ) هو المفعول الثالث.
أى : عرفوني الأصنام والأوثان التي جعلتموها شركاء لله ـ تعالى ـ في العبادة.
ثم زجرهم ـ سبحانه ـ عن هذا الضلال فقال : (كَلَّا بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أى : كلا ليس الأمر كما زعمتم من أن لله ـ تعالى ـ شركاء ، بل هو ـ سبحانه ـ العزيز الذي لا يغلبه غالب ، الحكيم في كل أقواله وأفعاله.
وهكذا نجد الآيات الكريمة قد لقنت النبي صلىاللهعليهوسلم الحجج التي يرد بها على المشركين ، والتي من شأنها أن تحملهم على اعتناق الحق ، واجتناب الباطل ، لو كانوا يعقلون.
__________________
(١) سورة يونس الآية ٤١.