شخص آخر تتوفر فيه هذه الصفات الثلاثة : أن يقوم في كلّ ليلة بالعبادة والصلاة ، وأن يصوم كلّ يوم ، وأن يحكم بين الناس دون أن يغضب ، فقال شابٌ من المؤمنين : أنا أتكفل بكلّ هذه الامور ، قال ذلك واستمر على الوفاء بعهده والاتيان بهذه الثلاثة (مع جميع ما تتضمنها من مشاكل وصعوبات) وبذلك نال مقام النبي أيضاً فسُمي : ذي الكفل.
أجل ، فإنّ هؤلاء العظماء الثلاثة كانوا اسطورة للصبر والاستقامة بحيث إنّ القرآن الكريم جعلهم اسوة لجميع المسلمين في العالم وأشار إليهم بذلك في هذه الآية الكريمة.
وتتعرض «الآية الرابعة» إلى الحديث عن «قصة موسى عليهالسلام والخضر عليهالسلام» ونقرأ في هذه القصة دروساً وعبراً مهمة ونافعة حيث جاء موسى عليهالسلام إلى الخضر عليهالسلام لطلب العلم وسأله أن يعلمه من العلوم والأسرار الإلهية ، لأن هذه العلوم والأسرار هي غير «علم الشريعة» الّذي تلقاه موسى عليهالسلام بطريق الوحي وكان على اطلاع عام به ، ولكنَّ تلك العلوم والمعارف متعلقة بأسرار عالم التكوين والحوادث الواقعة في عالم الوجود ، ولكن على أية حال فإنّ الخضر عليهالسلام كان قلقاً من عدم تحمل موسى عليهالسلام بهذه العلوم والمعارف وقال له كما تذكر الآية (قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً)(١).
فكان أن وعد موسى عليهالسلام معلمه بأن يصبر ويتريث ولا يعترض على شيء ، ولكن الحوادث والوقائع الّتي رآها فيما بعد كانت عجيبة وغريبة إلى درجة أنّ موسى عليهالسلام لم يطق صبراً إلى أن يخبره الخضر عليهالسلام عن أسرارها ، وفتح فمه بالاعتراض على معلمه ، فما كان من الخضر عليهالسلام إلّا أن ذكره بوعده بالصبر والتريث ، فاعتذر موسى عليهالسلام بذلك ولكنه في المرّة الثالثة قرر الانفصال إلى الأبد.
وهذه القصة العجيبة تتضمن دروساً ومعارف كثيرة ، ولكن ما يرتبط ببحثنا هذا هو أنّ موسى عليهالسلام لو صبر أكثر ولم يعترض على الخضر عليهالسلام لكان يكتشف أسراراً جديدة ويزداد علماً إلى علمه ، ولكن عدم صبره هذا تسبب بأن لا يتعلم سوى ثلاثة امورٍ فقط ، في حين انه
__________________
١ ـ سورة الكهف ، الآية ٦٧ و ٦٨.