وهكذا أنزل الله تعالى نصره وعنايته ورحمته على هذه الفئة القليلة من المؤمنين ونصرهم على جيش جالوت العظيم ببركة شجاعتهم وثباتهم في مواجهة التحدّيات والاختبارات الصعبة.
ونقرأ في «الآيات التالية» أنّ القرآن الكريم يتحدّث عن جبن طائفة من المنافقين وضعفاء الإيمان في عصر النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وفي حرب الأحزاب ، ويتحدّث كذلك عن شجاعة بعض المؤمنين الحقيقيين وثبات قدمهم في مواجهة الأعداء الشرسين حيث تقول الآية : (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً)(١).
وطبعاً فإنّ ميدان القتال في معركة الأحزاب كان يغص بجيوش الأعداء وكثرة عددهم وعُدتهم بحيث يستوحش من هذا المنظر الرهيب كلّ الأشخاص الّذين يعيشون الاهتزاز في شخصيتهم والخوف والرعب في واقعهم.
ولكن كما تقول الآية (٢٢) من هذه السورة أنّ المؤمنين الحقيقيين الذين كانوا يعيشون الطمأنينة والثقة بوعد الله إزدادوا إيماناً : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً)(٢).
واللطيف انه يُستفاد من بعض الروايات أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله أجاز للمنافقين وضعفاء الإيمان والجبناء بأن يعودوا إلى المدينة ، لأن بقائهم في تلك الظروف العصيبة مع جيش الإسلام لا ينفع شيئاً سوى بث الرعب والضعف والتخاذل في قلوب الآخرين.
ولهذا السبب نقرأ في الآية (٤٧) من سورة التوبة في حديثها عن جماعة من هذه الطائفة : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً).
ومعلوم أنّ كلمة (خَبَل) و (خبال) تعني الإضطراب والترديد الناشيء من ضعف العقل
__________________
١ ـ سورة الأحزاب ، الآية ١٣.
٢ ـ سورة الأحزاب ، الآية ٢٢.