أوراد (١) وطقوس (٢) لا تتجاوز عدّة آداب وأدعية يلقيها القسّ (٣) في الكنائس كما عليه النّصرانيّة ، بل هو تشريع مسهب كامل فيه حياة الفرد والمجتمع عاجلاً وآجلاً ، يغنيهم عن الاستعانة بأيّة قوة تشريعيّة أجنبيّة غربيّة أو شرقيّة ، في مجال العبادات والمعاملات والأحوال الشّخصية والسياسات والقضاء والشّهادات.
إنّ التّشريع في الإسلام من خلال ألوان إعجازه وآيات صلته بقوّة غير متناهية ، استطاع إغناء المجتمع البشريّ ـ في كل ما يمت بصلة إلى حياته الفرديّة والاجتماعيّة والسياسية والخلقيّة والبيئيّة ـ عن أيّ نظام تشريعيّ آخر.
إنّ هذه الجهات الثلاثة (الحكومة والقضاء والإفتاء) (٤) قد تجتمع في شخص واحد كما في الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وأوصيائه (عليهمالسلام) وقد لا تجتمع في شخص ، لضرورات اجتماعيّة توجب تقسيم الوظائف والمناصب ، ومثل هذا لا يعني فصل الدّين عن السياسة.
نعم ، إنّ النّاس في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كانوا في غنى عن بذل أيّ جهد وتحمّل سعي في الوقوف على ما جاء به صلىاللهعليهوآلهوسلم في تلك المجالات لإمكان السّؤال منه ، وكان المسلمون كثيراً ما يسألونه ويستفتونه فيوفّيهم الجواب ، قال سبحانه : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ...) (النساء / ١٧٦). ولمّا ارتحل الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وتفرّق المسلمون في أنحاء العالم صعب على الجميع الوقوف على الحكم الشّرعيّ
__________________
(١) أوراد ، جمع ورْد وهو الجزء ، من قرأتُ وردي.
(٢) طقوس جمع طقس ، وهو الطريقة ، وغلب على الطريقة الدينية (نصرانيّة دخيلة). أقرب الموارد : ١ / ٧١٠.
(٣) القسُّ في الصحاح كفلْس : رئيس من رؤساء النّصارى في الدّين والعلم. وكذلك القسِّيس ، والسّريانيّة لغتهم ، وكذلك الجاثليق.
(٤) إنّ الفرق بين الفتوى وحكم القاضي واضح ، وهو أنّ الفتوى إخبار عن الحكم الكلّي وليس له أثر إلّا تنجّز الواقع ، وأمّا القضاء فهو إنشاء حكم جزئيّ مطابق للحكم الكلّي الصادر من الله تعالى.
وإن شئت قلت : حكم جزئيّ في مورد شخصي ، ويفترق عن حكم الحاكم باشتراط سبق النّزاع في القضاء دون حكم الحاكم في الأُمور العامّة. (منه حفظه الله).