فنقول : ربّما يستدلّ ببعض الآيات :
١ ـ آية النفر :
قال سبحانه : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة ـ ١٢٢).
وجه الدّلالة ببيان أُمور أربعة :
١ ـ إذا وجب النّفر ، بحكم لو لا التّحضيضية وجب كلُّ ما يترتب عليه في الآية من التفقّه والإنذار والتحذّر عند الإنذار ، وإلّا لزمت لغويّة النّفر.
٢ ـ ليس المراد من الحذر ، الحالة النفسانيّة من الخوف والوجل ، السائدين على القلب والرّوح ، بل المراد ما يقوم به المتحذّر من الأعمال ليدفع بها الشّر عنه وما يخاف منه ، قال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) (النساء ـ ٧١) فالمراد : خذوا أسلحتكم لأنّها الآلة التي بها يتقى عند الحذر ، فانفروا في جماعات ومتفرّقين أو انفروا مجتمعين.
٣ ـ إنّ وجوب التحذّر عند الإنذار مطلق سواء أفاد العلم أم لا.
٤ ـ إنّ كون المنذر متفقّهاً ، يحكي عن كونه متوغّلاً في الدّين متدبّراً فيه ، أُصوله وفروعه ، كيف ، وقد نفر لتلك الغاية ، وهو لا يصدق على ناقل الخبر والرّواية إلّا إذا عرف كميّة كبيرة من النّصوص القرآنيّة والرّوائيّة وصار بالتدبّر فيها إنساناً فقيهاً في الدّين عالماً به عن طريق النّظر والفكر.
إذا عرفت ذلك ، فدلالة الآية على رجوع العامي إلى الفقيه لأخذ أحكام دينه ، أوضح من دلالته على حجيّة رواية الرّاوي ونقله الحديث ، وإن لم يكن متفقهاً في الدّين ، خصوصاً إذا كان قليل الرّواية وبعيداً عن مجالس العلماء والرّواة.