الإسلامي حقّ التشريع والتقنين ، مع أنّه يمكن حفظ المصالح وقوّة المسلمين عن طريق آخر سنقف عليه عند البحث عن الأحكام الأوّليّة والثانوية ، غير أنّ تحقيق الكلام في تأثير اختلاف الزّمان والمكان موقوف على النظر في أمرين ثابتين غير متغيّرين :
الأوّل : الإسلام دين عالميّ لا إقليميّ كما إنّه خاتم الأديان ، لا دين بعده ، فالنبي الأكرم خاتم الأنبياء ، وكتابه خاتم الكتب السّماويّة وشريعته خاتمة الشّرائع لا تشريع بعدها أبداً ، وقد جاء النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم بكلّ ما يحتاج إليه الإنسان آجلاً وعاجلاً فهو في غنى عن الرّجوع إلى شرع آخر مطلقاً.
الثاني : إنّ من مراتب التوحيد هو التوحيد في التقنين والتشريع ، وأنّه ليس لنبيّ ولا وصيّ حقُّ التشريع ، بل واجبهم التبليغ والتبشير والانذار ، وهذا هو الوحي الإلهي يأمر النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (يونس ـ ١٥).
هذا وإنّ في كلمات الإمام علي بن أبي طالب (عليهالسلام) تلميحات إلى تغيير الأحكام بمر الزّمان وتبدّل الأوضاع ، نشير منها إلى كلمتين :
الأولى : يصفُ أحكام الله سبحانه : «وبين مثبت في الكتاب فرضه ، ومعلوم في السنّة نسخه ، وواجب في السنّة أخذه ، ومرخّص في الكتاب تركه وبين واجب بوقته وزائل في مستقبله» (١).
الثانية : سئل الإمام (عليهالسلام) عن قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : غيّروا الشّيب ولا تشبّهوا باليهود ، فقال (عليهالسلام) : «إنمّا قال صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك والدّين قلّ (٢) ، فأمّا الآن وقد
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة الأُولى ـ القرآن والأحكام الشرعية.
(٢) قلّ : قليل أهله.