ثمّ يرجع ثالثاً إلى الظواهر والعمومات وما يطرأ عليها من مخصّصات خبريّة أو قياسيّة ، وبعد ذلك يرجع للأقيسة فإن تعارضت رجّح الأقوى وإلّا فالتوقّف أو التخيير.
يلاحظ عليه بوجوه :
أوّلاً : أنّ المراد من النفي الأصليّ هو أصالةُ البراءة ، وهو دليل من تفحّص عن الدّليل الاجتهاديّ ولم يجده ، فالرّجوع إليها متأخر رتبة عن الرّجوع إلى الدّليل الاجتهاديّ من الكتاب والسنّة ، فكيف قدّم الأصل العمليّ وهو في المقام ـ البراءة ـ على الكتاب والسنّة.
وثانياً : كيف يتصوّر إجماع على خلاف الكتاب والسنّة بتوهّم إمكان كونه ناسخاً لهما ، إذ ليس لإجماع الأُمّة ـ وكلُّ واحد منهم خاطئ ـ قيمة ووزن ، إلّا إذا كشف عن دليل شرعيّ ، وعندئذ يجب أن يكون للمجمعين على خلافهما دليل من نصّ كتابيّ أو سنّة قطعيّة فيكونا ناسخين ، ومن المستحيل جدّاً أن يكون هناك إجماع على خلاف الكتاب والسنّة ، ولا يكون سنده آية أو رواية محفوظين لدى الأُمة.
وثالثاً : كيف يسوغ لنا التصرّف في دلالة الكتاب بخبر ظنيّ مثل الخبر الواحد وأسوأ حالاً منه التصرّف في دلالة الكتاب بالقياس الّذي ما أنزل به من سلطان ، وإنّما لجأ إليه أبو حنيفة وأقرانه لقصور أيديهم عن الدّليل ، إلى غير ذلك من الملاحظات الواضحة في كلامه.