الفتوى الأُولى حجّة فعليّة ، ليس بمعنى نفي الحجيّة عن الأُخرى ، بل كلاهما حجّة فعليّة بمعنى أنّ العمل بكلّ منهما مؤمّن من العقاب وصالح للاحتجاج (١) ، نعم يلزم التّعارض لو قلنا بأنّ جعل الحجيّة لكلّ واحد من الفتويين يلازم جعل حكم مماثل فيلزم جعل حكمين مماثلين متضادَّين ، وهذا النَّوع من التعارض ـ على فرض صحّته ـ راجع إلى باب إمكان التعبّد بالامارات ، ولا صلة له بالمقام.
إلى هنا تبيّن أنّه ليس للقائل بالجواز دليل رصين ، وإليك دراسة قول القائل بالمنع.
استدلّ : بأنّ عدم الجواز هو مقتضى الأصل العقليّ المتقدّم (عند الدّوران بين التّعيين والتّخيير) للشكّ في حجيّة فتوى من يريد العدول إليه ، والعلم بحجيّة فتوى من يريد العدول عنه ، وفي مثله يبنى على عدم حجيّة مشكوك الحجيّة (٢).
يلاحظ عليه : أنّه لا تصل النّوبة إلى الأوّل (الأصل العقليّ) إلّا بعد اليأس عن تحصيل الدّليل ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر ليس للرّأي خصوصيّة إلّا كونه طريقاً وكاشفاً عن الواقع ، وهو مشترك بينهما ، فالفتوى الأولى والثّانية سيّان في الحجيّة والكاشفيّة.
إذا علمت هذا ، فإنّ مقتضى القاعدة هي سقوط الفتويين عن الحجيّة والرّجوع إلى الاحتياط ، ولكن لمّا كان الاحتياط أمراً متعسّراً لتوقّفه على العلم بالفتاوى وكيفيّة الاحتياط كفى الامتثال الاحتماليّ وهو العمل بإحداهما ، وكونه بحكم العقل فهو مستقلّ بالتخيير في كلتا الحالتين ، فالأقوى جواز العدول في المتساويين بشرط أنّ لا يؤدّي وينتهي العدول إلى اللّعب بالتّقليد وإنّ كان الأحوط عدم العدول والله العالم.
__________________
(١) قال السيد الخوئيّ (رضي الله عنه) «فيما إذا كان المستصحب حجيّة الفتوى المختارة : ـ لا معنى لجعل الطريقيّة للجامع ولا لأحدهما المبهم ، بل الطريق كلّ واحد منهما بشرط اختيار المكلَّف له. فإذا اختار أحدهما يكون هو الحجة الفعلية في حقّه ويتنجز عليه الحكم الذي يؤدي إليه المختار ...» دروس في فقه الشيعة ـ ج ١ الاجتهاد والتقليد : ص ٦٦ ـ ٦٧.
(٢) مستمسك العروة : ١ / ٢٥.