المتمكّن المتلبّس بالاستنباط كما عليه صاحب المناهل؟ نقول :
قال الشيخ الأنصاريّ (رضي الله عنه) في رسالته الّتي ألّفها في الاجتهاد والتّقليد : «فاعلم أنّه لا إشكال في أنّه يجوز التّقليد للعامّي الصّرف ، وكذا العالم غير البالغ مرتبة الاجتهاد ، وهل يجوز لمن له ملكة الاجتهاد ، التقليد فيما لم يجتهد فيه فعلاً أم يتعيّن عليه الاجتهاد؟ قولان : المعروف عندنا العدم ، بل لم ينقل الجواز عند أحد منّا ، وإنّما حكي عن مخالفينا على اختلاف منهم في الإطلاق والتفصيلات المختلفة. نعم اختار الجواز بعض سادة مشايخنا في مناهله ، وعمدة أدلة القائلين بالمنع عبارة عن الأُمور التالية :
الأوّل : الأصل بتقريرات مختلفة.
الثاني : عموم الأدلة الدّالة على وجوب الرّجوع إلى الكتاب والسنّة في الأحكام خرج منها القاصر عن ذلك.
وعمدة أدلة الجواز أمران :
الأوّل : استصحاب جواز التقليد.
الثاني : عموم السّؤال من أهل الذكر» (١).
__________________
فإنّه من المحتمل أن لا تكون فتوى الغير حجّة في حقّه لوجوب العمل بفتيا نفسه ونظره ، فلا يُدرى أنّها مؤمِّنة من العقاب المترتّب على مخالفة ما تنجّز عليه من الأحكام الواقعية ، والعقل قد استقلّ بلزوم تحصيل المؤمِّن من العقاب ، ومع الشك في الحجيّة يبنى على عدمها ، فإنّ الشكّ في الحجيّة يساوق القطع بعدمها ... ـ ثمّ قال (رضي الله عنه) (ص ـ ٣٢): ـ والمتحصّل أنّ من له ملكة الاجتهاد ـ سواء لم يتصدّ للاستنباط أصلاً أو استنبط شيئاً قليلاً من الأحكام ـ لا بد له من أن يتبع نظره ويرجع إلى فتيا نفسه ، ولا يجوز أن يقلّد غيره ، والإجماع المدّعى في كلام شيخنا الأنصاري (رضي الله عنه) أيضاً مؤيِّد لما ذكرناه ، لعدم كونه إجماعاً تعبّديّاً».
(١) مجموعة رسائل فقهيّة وأصوليّة : ٥٣ ـ ٥٤.