ولأجل ذلك نرى أنّ أصحاب التخصّصات في العلوم والفنون يرجعون في غير اختصاصهم إلى أهل الخبرة فيه ، ولا شكّ أنّ المتخصّص في معرفة الأحكام والفرائض هم الفقهاء الذين صرفوا أعمارهم في التعرّف والاطّلاع عليها ، وهم العلماء الأمناء على أحكام الله ، العدول في مسيرة الحياة ، لا يحيدون عن بيان الحقّ قدر شعرة ، وهم المتخصّصون الواقفون على حقيقة الأمر ، فعليه يلزم على الجاهل الرّجوع إليهم والتمسّك بعروتهم الوثقى.
فالرّجوع إلى علماء الدّين ، وإناخة المطايا في ساحاتهم ، ممّا أطبقت عليه عقلاء العالم منذ نزول الشرائع السماويّة من عصر نوح (عليهالسلام) إلى زماننا هذا ، فلم نجد أحداً يرجع فيما يمت إلى الدّين بصلة إلى غير أهله وكانت لعلماء الدّين مكانة خاصّة في قلوب النّاس ، فإنّهم المعالجون لأمراض النّاس الرّوحيّة والصّائنون لهم عن عذاب الله وغضبه وسخطه فالسّيرة بأصلها ـ أي رجوع الجاهل إلى العالم وأن العالم في أُمور الدّين هو المجتهد العارف بكتاب الله وسنّته ـ ليست أمراً خفيّاً على العامي.
وعليه فلا حاجة إلى ما ذكره المحقّق الخوئيّ من أنّ هذه السّيرة ـ رجوع الجاهل إلى العالم ـ وإن جاز أن لا يلتفت إليها العاميّ مفصّلاً إلّا أنّها مرتكزة في ذهنه بحيث يلتفت إليها ويعلم بها تفصيلاً بأدنى إشارة وتنبيه. وربّما يتصوّر أنّه يصحّ للعاميّ أن يستند إلى دليل الانسداد لإثبات كون فتوى الفقيه حجّة وتقريبه : «أنّ كلّ واحد يعلم بثبوت أحكام إلزاميّة في حقّه ، كما يعلم أنّه غير مفوّض في أفعاله بحيث له أن يفعل ما يشاء ويترك ما يريد ، وهذان العلمان ينتجان استقلال العقل بلزوم الخروج عن عهدة التّكاليف الواقعية ، المنجّزة بعلمه ، وطريق الخروج عنها منحصر في الاجتهاد والاحتياط والتقليد. أمّا الاجتهاد فهو غير متيسّر على