ولما يئس نوح عليهالسلام من إيمان قومه ، دعا عليهم بوحي من الله تعالى ، فقال : (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦)) [نوح : ٧١ / ٢٦]. فألهمه الله صنع سفينة ليركبها مع المؤمنين ، وترك الكفار في العذاب.
وجاء الأمر الإلهي بالإغراق بعد هذه المدة الطويلة من الصبر والإنذار ، فأخذهم الطوفان ، وهم ظالمون أنفسهم بالكفر ، وأنجى الله نوحا ومن آمن معه في الفلك المشحون ، التي مخرت عباب البحر ، حتى استقرّت على جبل الجودي ، وغرق الكفار جميعا بطوفان الماء ، وجعل الله سفينة نوح آية وعبرة للعالمين ، كما جاء في آية أخرى : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢)) [الحاقّة : ٦٩ / ١١ ـ ١٢].
وضمير الفعل : (وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ) يعود على السفينة المذكورة. وأما الغرق ففي رأي فرقة مقصور على قوم نوح ، وقال الجمهور : إنما غرقت المعمورة كلها ، أي العالم القديم ، والرأي الثاني هو الراجح بسبب إعراض الناس كلهم عنه ، أي عن دعوة نوح. فليتّعظ كفار قريش وأمثالهم بهذه العقوبة الشديدة التي يمكن أن تصيبهم ، إذا ظلّوا رافضين لدعوة النّبي محمد صلىاللهعليهوسلم ، مكذّبين له ، مفترين على دعوته وعلى القرآن وعلى المؤمنين ، فإن العاقل من اتّعظ بغيره.
إن قصة السفينة عبرة وعلامة على قدرة الله تعالى في شدة بطشه ، وعقابه عتاة أهل الضلال والتمرد والعصيان ، كما أنها نعمة خارقة ، في وقت لم يعرف الناس ركوب البحر ولا وجود السّفن عابرة المياه ، فقد نجى الله تعالى نوحا ومن آمن معه ، حفاظا على النوع البشري من الانقراض العددي والنوعي ، حيث تناسل الناس من ذرّية هؤلاء المؤمنين ، وبدأت حياة جديدة تظهر فيها مآس وألوان أخرى من الفسوق والعصيان ، والكفر والطغيان ، فتجدد العقاب في أمم أخرى بعد إرسال رسل آخرين