ترتّب على هذا الموقف المباين للصواب والسداد أن يحلّ بهم جزاء المعاصي والسيئات التي اكتسبوها من الأعمال ، فعوقبوا في الدنيا بعقوبات شتى كخسف الأرض بقارون ، وتدمير عاد وثمود وقوم لوط ، ولهم أشدّ العقاب أيضا في الآخرة ، وكذلك هؤلاء الظالمون الكافرون من مشركي مكة حين نزول الوحي وأمثالهم في كل زمان ، سيصيبهم وبال كسبهم منكرات الأعمال ، وسوء الاعتقاد ، كما أصاب من قبلهم ، من القحط والقتل والأسر والقهر ، وما هم بمفلتين ولا ناجين بأنفسهم من سلطان الله تعالى ، بل مردّهم ومرجعهم إليه ، في قبضته وهيمنته ، يصنع بهم ما يشاء من العقوبة.
إن هؤلاء المعاندين لرسالة الأنبياء والمعارضين لدعوة الإصلاح ، لا يغني عنهم كسبهم وجمعهم للأموال ، ولا يغني أمثالهم ، والجميع يستحقون التوعّد ، فأولئك الغابرون ، أصابهم جزاء ما كسبوا ، وكذلك الذين ظلموا بالكفر من هؤلاء المعاصرين للنّبي محمد صلىاللهعليهوسلم سيصيبهم ما أصاب المتقدّمين.
ثم قرّر الله تعالى القرار الحقيقي في أمر الكسب والرزق وسعة النّعم ، وطريقة قسمته بين الناس على وفق الحكمة والمصلحة للعباد أنفسهم ، وهذا القرار هو : أو لم يعلم المشركون وأمثالهم أن الله هو الذي يبسط الرزق لقوم ، ويضيّقه على قوم بمشيئته وسابق علمه ، وليس ذلك لمهارة أحد ولا لعجزه ، إن في ذلك لدلالات واضحات وعلامات قاطعات لقوم يؤمنون بالله وحده ، ويصدّقون بسلطانه وقدرته الخارقة والشاملة.
وقد خصّ الله تعالى المؤمنين بأنهم هم الذين ينتفعون بالآيات ويدركون ذلك ، ويقدرون مواقفهم السديدة في مواجهة الحقّ تعالى ، ويبين هذا أيضا آية أخرى هي قوله تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) (٢٧) [الشّورى : ٤٢ / ٢٧].