(سَلامٌ) وهو توبيخ لهم على عهده إليهم ، ومخالفتهم عهده ، فيكون سبب تمييزهم وفصلهم أنه كما حكى القرآن : ألم أعهد إليكم ، أي آمركم وأوصكم من طريق الرسل أيها البشر : ألا تطيعوا الشيطان ، فيما يوسوس به إليكم من المعصية والمخالفة ، فإن الشيطان عدو ظاهر العداوة لكم ، بدءا من عهد أبيكم آدم عليهالسلام.
وأمرتكم أن تعبدوني وتطيعوني وحدي ، فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه ، وهذا هو الطريق المعتدل القويم ، وهو دين الإسلام.
ولقد أغوى الشيطان خلقا كثيرا ، وزين لهم فعل السيئات ، وصدّهم عن طاعة الله وتوحيده ، أفلم تعقلوا عداوة الشيطان لكم؟!
ويقال لهم تقريعا وتوبيخا : هذه النار التي وعدتم بها في الدنيا ، وحذّرتكم منها على ألسنة الرسل ، فكذبتموهم : ادخلوها وذوقوا حرها اليوم ، بسبب كفركم بالله في الدنيا ، وتكذيبكم بها. وهو أمر تنكيل وإهانة. ويواجهون بجرائمهم عيانا ، ففي هذا اليوم الرهيب ، يختم الله على أفواههم ، بحيث لا يقدرون على الكلام ، وتتكلم أيديهم وأرجلهم ، شاهدة على أصحابها بما ارتكبت من آثام في الدنيا. والتكلم للأيدي والأرجل ؛ لأن أكثر الأفعال تتم بمباشرة الأيدي ، وسعي الأرجل.
وقدرة الله كبيرة ، فلو شاء لأذهب أعينهم وأعماهم ، فصاروا لا يبصرون طريق الهدى ، ولا يعرفون طريق النجاة ، فكيف يبصرون وقد ذهبت أبصارهم؟ أي لو شاء ربك لمسح أعين الكفار ، حتى أرادوا سلوك الطريق الواضح المعروف لهم لما استطاعوا ، فكيف يبصرون حينئذ؟
ولو شاء الله لبدّل خلقهم ، وحوّل صورهم إلى صور أخرى أقبح منها كالقردة والخنازير ، وهم جاثمون في الأماكن التي ارتكبوا فيها السيئات ، فلا يتمكنون من الذهاب أمامهم ولا الرجوع وراءهم ، بل يلزمون حالا واحدة ، لا يتقدمون ولا يتأخرون.