لقد ضرب هذا المنكر مثلا بعظم رميم بال على استبعاد البعث ، ونسي مبدأ خلق نفسه من العدم ، وثم صيرورته إلى الوجود ، فقال : من الذي يتمكن من إحياء العظام البالية بعد أن صارت رميما ، أي بالية فانية؟! والنسيان من هذا المنكر : إما نسيان الذهول أو نسيان الترك.
فأجابه الله تعالى بقوله : قل أيها النّبي لهذا المشرك المنكر للبعث : يحيي الله العظام البالية : الذي أنشأها وأبدع خلقها في المرة الأولى ، من غير شيء ، بل من العدم ، ولم تكن شيئا مذكورا ، والله لا تخفى عليه خافية من الأشياء ، سواء أكانت مجموعة أم مجزأة مشتتة في أنحاء الوجود ، ولا يخرج عن علمه أي شيء كائنا ما كان ، في البر أو في البحر أو في جوف الحيوان أو مختلطا بالتراب.
ودليل آخر على إمكان البعث : وهو أن الله تعالى خلق هذا الشجر من ماء ، حتى صار أخضر نضرا ، ثم صيّره حطبا يابسا ، يجعله الناس وقودا لنيرانهم ، فمن كان قادرا على هذا التحويل والتقلّب من عنصر الرطوبة إلى عنصر الحرارة ، فهو قادر على إعادة الرطب يابسا ، والحي ميتا ، والميت حيّا ، لأن المعوّل في ذلك كله على القدرة الإلهية.
ودليل ثالث : وهو أن من خلق السماوات السبع وما فيها من الكواكب السّيّارة والثّوابت ، والأرضين السّبع وما فيها من معادن وكنوز وجبال وأنهار ، وسهول وهضاب ، وهي أعظم من خلق الإنسان ، من خلق ذلك ، فهو قادر على خلق مثل البشر ، وإعادة الأجسام إلى الحياة مرة أخرى ، وهي أضعف وأصغر من خلق السماوات والأرض ، والله هو الخلاق : أي كثير الخلق ، العليم : الشامل العلم.
إن شأن القدرة الإلهية أو شأن الله في إيجاد الأشياء سهل يسير ، فإنما هو إذا أراد شيئا قال له : كن ، فإذا هو كائن على الفور ، من غير توقّف على شيء آخر أصلا.