قامت بيّنة على أنّ ميتا «ما» تكلّم ، وقد شملت أدلة الحجية تلك البيّنة ، فهل كنّا نقول هنا : إننا لا نقبل بالبيّنة ، لاحتمال استحالة ما أخبرت عنه؟. طبعا لا نقول ذلك ، وذلك لأنّ الدليل الدال على حجية البيّنة ، يقتضي العمل بها ما لم يحصل دليل على خلافها ، وهنا في المقام لم يحصل يقين ، وإنّما هو مجرّد احتمال استحالة ما أخبرت عنه.
المثال الثاني : هو إنّه لو فرض أننا نشك في إمكان جعل الحجيّة لخبر الواحد ، فحينئذ ، لو دلّ ظهور آية أو سنّة متواترة على حجيّة خبر الواحد ، فهل كنّا نرفع اليد عن هذا الظهور؟. طبعا لا ، وذلك لأنّ مقتضى حجيّة الظهور المفروغ عنها ، هو أنّه يجب العمل ، بها ما دمنا لم نقطع ببطلان مفادها.
ومقامنا من قبيل هذين المثالين ، إذ مجرّد احتمال الاستحالة بسبب الاستصحاب ، لا يوجب رفع اليد عن الحجة القائمة على هذا الاستصحاب.
إلّا أن هذا الكلام هنا غير صحيح ، وإن كان متينا في المثالين.
وتوضيحه ، هو : إنّه حينما تقوم الحجة التعبّديّة على شيء ، حينئذ يوجد ويثبت أمران : أحدهما يثبت تعبدا ، والآخر يثبت وجدانا لا تعبدا.
ففي مثال قيام الإمارة على تكلم ميّت «ما» ، فإنّ كلام الميّت يثبت تعبّدا لا وجدانا ، بينما حجيّة البيّنة أي : نفس الأمر الأول ، يثبت وجدانا.
وكذلك الحال في المثال الثاني ، إذ هناك أمر ثابت تعبدا وهو حجيّة الخبر ، وهناك أمر ثابت وجدانا ، وهو حجيّة الظهور.
فلو فرضنا أنّ الأمر الأول الثابت تعبّدا ، كان يحتمل استحالته ، بخلاف الثاني الثابت وجدانا ، حينئذ ، يتمّ كلام صاحب «الكفاية» «قده» ولا يلزم محذور عقلي ، إذ في المثال الأول نقول : إنّ ما يحتمل استحالته ، هو أن يتكلّم الميّت ، وإمّا أن يتعبّد المولى بتكلّم الميّت ، فليس بمحتمل الاستحالة ، فما هو محتمل الاستحالة ، وهو تكلّم الميّت ، لم نثبته وجدانا بل أثبتناه تعبّدا ، وأمّا ما أثبتناه وجدانا فهو غير محتمل الاستحالة.