من النحو الثاني ، وهذا النحو الثاني ليس هو المقصود في بحث ثمرة وجوب المقدمة ، وإنما المقصود من البحث في المسألة الأصولية هنا ، هو النحو الأول ، وهو إثبات جعل شرعي ، لا تطبيق جعل ثابت على صغرى من صغرياته بعد الفراغ عن أصل الجعل.
بناء على هذا ، قد يقال : بأنّ بحث الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته ، لا ثمرة أصوليّة له ، لأنّ الثمرة لا تخلو من أحد أمرين :
الأمر الأول ، هو أن يقال : إنّ الثمرة من الملازمة ، هي التوصل إلى الوجوب الغيري للوضوء ، أو نصب السلم ، وهذه ثمرة أصولية تدخل في النحو الأول ، لأنه يستكشف بالملازمة أصل جعل الوجوب الغيري ، وهذا هو مفاد عبارة المحقق الخراساني (١).
إلّا أنه اعترض عليه : بأنّ الثمرة المتوقّعة من المسألة الأصولية ، وإن كان هو إثبات جعل من قبل المولى ، ولكن ليس كل جعل وكل حكم ، بل الحكم الذي يكون موضوعا للثواب والعقاب ، وقابلا للتنجز وعدمه ، لأنّ هذا هو المهم عند الفقيه ، والوجوب الغيري لا يقرّب ولا يبعّد ، أي : لا ثواب عليه بنفسه ، ولا عقاب على تركه بنفسه ، فلا شأن للفقيه به ، فلا يكون ثمرة للمسألة الأصوليّة ، لأنّ الوجوب الغيري خارج عن اهتمام الفقيه.
الأمر الثاني ، هو أن نقول : بأنّ وجوب المقدمة الغيري يحقق تطبيقا من تطبيقات جعل مفروغ عنه من قبيل حرمة الأجرة على الواجبات ، فإنه بواسطة الملازمة يمكننا تشخيص ومعرفة أن المجعول ما هو ، على اختلاف في بعض التشقيقات ، ومثل هذه الثمرة ليست ثمرة أصولية ، بل تتصور لأي بحث في مفردات المعرفة البشرية. وتقع ثمرة له ، وعليه ، فهي أجنبية عن الثمرة الأصولية. ومن هنا قيل بأنه لا ثمرة لهذا البحث.
__________________
(١) كفاية الأصول : مشكيني ج ١ ص ١٣٩ ـ ١٩٢.