الإضافات التي تحصل بين الأشياء ، فكون فلان متقدما على فلان ، لا يعني أن هذا التقدم أمر اعتباري محض مثل بحر الزئبق ، إذن فلا يدخل في القسم الثاني لوضوح أن العقل ليس مسلطا عليه كتسلطه على اعتبار بحر من زئبق ، فلو أراد مئات المرات أن يسلخ التقدم عن نبوة عيسى «ع» على نبوة خاتم الأنبياء «ص» فلا يستطيع ، لأن التقدم أمر واقعي ، فالعقل هنا دوره دور الانفعال والقبول ، لا دور الإنشاء والفاعلية ، كما أن هذا القسم ليس من القسم الأول لوضوح أنه لو كان لتقدم هذه الحادثة ، على تلك الحادثة وجود واقعي في الخارج ، إذن لكانت هي حادثة من الحوادث ، فيكون أيضا لها تقدم ، وهكذا حتى يلزم التسلسل في العلل والمعلولات الخارجية ، وهو مستحيل.
إذن فالإضافة لا هي من الأول ، ولا هي من الثاني ، بل هي قسم برأسه يسمونها بالاعتباريات الواقعية التي لها جنبة واقعية ، بمعنى أن العقل متى ما قاس شيئا إلى شيء آخر ، انتزع منه ونشأ في وعاء العقل مفهوم هو التقدم ، وقد سمّينا هذه الأشياء في بحث المعنى الحرفي بأشياء لوح الواقع ، تمييزا لها عن القسم الأول ، الذي هو لوح الاعتبار.
الأمر الثاني :
هو أن الملاك ، كما يكون المصلحة والمفسدة ، أيضا يكون الملاك هو الحسن والقبح ، وأحدهما يختلف عن الآخر ، فالمصلحة والمفسدة عبارة عن أمور موجودة في الخارج ، فهي داخلة في القسم الأول من قبيل صحة المزاج ، قدرة النفس ، شدة الصبر ، كمال الإيمان ، كل هذه أمور حقيقية موجودة في الخارج ، وأمّا الحسن والقبح العقليان فبابهما ليس باب المصالح والمفاسد ، فقد يحكم العقل بحسن شيء وفيه أعظم المفاسد ، وقد يحكم بقبح شيء وفيه أعظم المصالح ، وذلك كما لو تخيّل إنسان أن النبي عدوّ لنبي يغرق فأنقذه من باب أنه عدو النبي ، فهذا العمل قبيح لأنه جرأة على النبي ، لكن فيه مصلحة عظيمة لأنه حفظ به الدين ، فهنا الحسن والقبح منحاز بحسب توصلات العقل إليه في جملة من الأحيان ، والحسن والقبح يرجعان إلى القسم الثالث أي :