ربّما يقال : إن احتمال وجود مصلحة في الفعل توجب الإرادة الطولية ، وذلك بإرادة البحث والتأمل في وجود المصلحة في الفعل ، وعدم وجودها ، فيحصل التصديق ثمّ العزم والجزم والإرادة ، فلا يلزم تعلّق الإرادة بالإرادة ، كي يقال باستحالته.
فإنه يقال : بأن إرادة الفعل غير موقوفة على حصول العلم بالمصلحة فيه ، بل احتمالها أيضا كاف لقدح الإرادة نحوه ، غايته أنه قد يفرض وجود مشقّة في الفعل ، ولذلك لو فرض عدم أيّ مشقّة فيه ، لأقدم عليه وأراده ، ففي المورد المذكور توجد إرادة للفعل في الواقع ، ولكنها ضعيفة بحاجة إلى دفع المزاحم لها بالفحص والتأمل ، فلا تكون إرادة للإرادة.
وقد يقال : بأنّ هذا المقدار كاف لإراديّة الإرادة ، فإن وجود الإرادة الشديدة إنما جاءت بسبب إرادة دفع المزاحمات ، فكانت بالتسبيب إراديّة ، وإن لم تكن بنفسها إراديّة ، اللهم إلّا أن يشترط في إرادية شيء نشوؤه عن إرادة مباشرة.
الوجه الثالث : هو أنّ أخذ الإرادة مع سائر المقدمات ، لا يجدي في صيرورة المقدمة موصلة ، لأنّ مجموعها مع الإرادة أيضا ، لا تكون علة تامة كي تساوق الإيصال ، وذلك لما تقدّم من أن حصول الإرادة نحو الفعل ، لا يستلزم أن يكون الفعل واجبا بالغير ، بل لا يزال ممكن الوجوب ، وللمكلّف أن يتركه بمقتضى سلطنته التي قلنا إنّها غير مفهوم الوجوب بالغير.
والجواب ، هو : إنّ برهان اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة ، لم يكن يقتضي الاختصاص بالمقدمة التي يستحيل أن ينفك عن ذيها بمعناها المعقولي الفلسفي ، إذ لا موجب لأخذ ذلك قيدا ، وإنما تمام النكتة والملاك هو إيجاب المقدمة التي يضمن معها حصول ذي المقدمة بحسب عالم الأفعال الاختيارية الذي هو عالم التكاليف ، لا عالم الأفعال الطبيعيّة القسرية الذي هو عالم الوجوب والامتناع.