ذلك أصبح تحت سلطنة المكلّف ، فلا يكون تكليفه بالمشي تكليفا تعجيزيا ، أو قبيحا ، مع أن متعلّق التكليف وهو المشي ، لا يوجد إمكان استعدادي له في القوة العضلية ، وإنما يكتسب هذا الإمكان الاستعدادي ببركة مقدمة ، هي وصل السلك برجله ، وحينئذ يوجد الإمكان الاستعدادي. فلو قلنا : إنّ الإمكان الاستعدادي دخيل في أصل التكليف ، وفي أصل تعقّله ، للزم أن يكون التكليف بالمشي مشروطا بالإمكان الاستعدادي ، أي : بإيصال السّلك ، فيقول المولى حينئذ : «إذا أوصلت السلك امش» فيكون إيصال السلك مقدمة وجوبية لا وجودية ، مع أننا نرى بالوجدان أنه بالإمكان جعلها مقدمة وجودية ، وذلك بأن يقول المولى للعبد : «أمش» بنحو يكون المكلّف مسئولا عن إيجاد هذه المقدمة ، وهي إيصال السلك ، ولا يكون حينئذ هذا الخطاب غير معقول من قبل المولى ، لأن هذا ليس حكما ، لأن الإمكان الاستعدادي غير موجود في قوى المكلّف العضلية.
وبعبارة أخرى : إن الواجب المقيّد بقيد زماني ، وإن كان ممكنا في عمود الزمان وقوعا ، ولكن وقوعه الآن دفعة واحدة لكونه تدريجيا ، مستحيل استحالة وقوعية ، إذ يوجب الخلف أو التناقض ، إذ لا يعقل وجود التدريجي دفعة واحدة كاستحالة وقوع «الفجر» منتصف الليل. وأمّا الإمكان الاستعدادي فإن أراد به اشتراط استعداد وقابلية الفاعل ، أي : كون عضلاته غير مشلولة ، فمن الواضح أن هذا ليس شرطا في فعلّية الوجوب ، ولهذا يصح تكليف المشلول الذي يمكنه علاج نفسه ، دون أن يصبح علاج نفسه مقدمة وجوبية ، ولو فرض شرطيته فهو محفوظ في الواجب المعلّق أيضا ، إذ ليس القصور في استعداد الفاعل ، وإن أراد به اشتراط استعداد وقابلية في القابل ، بمعنى إمكان وقوعه ، إذن فقد رجع إلى المعنى السابق. وبهذا يتضح بطلان هذا الكلام بلا إشكال.
فهذا دليل على أن الإمكان الاستعدادي ليس دخيلا في حقيقة الحكم.