فعفا عنه رسول الله صلىاللهعليهوآله وصفح.
ولنلاحظ أن الآية الكريمة السابقة قد قالت : «فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا» ولم تقل «فاعفوا واصفحوا عنهم» وذلك لارادة عموم العفو والصفح ـ والله أعلم بمراده ـ أي عاملوا جميع الناس بالعفو والصفح ، فان هذا هو اللائق بشأن المؤمنين المتقين ، ما لم يكن ذلك على حساب الدين أو كرامة المسلمين.
وقد يقال : كيف يأمر الله تعالى المسلمين بالعفو والصفح عن أهل الكتاب وقد كان المسلمون يومئذ قلة؟. ويتولى الاستاذ الامام محمد عبده الرد على هذه الشبهة ، فيقول : «في أمره تعالى لهم بالعفو والصفح اشارة الى أن المؤمنين على قلتهم هم أصحاب القدرة والشوكة ، لأن الصفح انما يطلب من القادر على خلافه ، كأنه يقول : لا يغرنكم أيها المؤمنون كثرة أهل الكتاب مع باطلهم ، فانكم على قلتكم أقوى منهم بما أنتم عليه من الحق ، فعاملوهم معاملة القوي العادل للقوي الجاهل.
وفي انزال المؤمنين على ضعفهم منزل الاقوياء ، ووضع أهل الكتاب على كثرتهم موضع الضعفاء ، ايذانا بأن أهل الحق هم المؤيدون بالعناية الالهية ، وأن العزة لهم ما ثبتوا على حقهم ، ومهما يتصارع الحق والباطل فان الحق هو الذي يصرع الباطل».
* * *
ويقول الله عزوجل في سورة المائدة :
«فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ ، فَاعْفُ