جعلهم في أول أوقات دخولهم في الاسلام عارفين بالله ، ولا ريب أن هذه المعرفة ليست كمعرفة المهاجرين والانصار ، فالناس متفاوتون في درجات المعرفة تفاوتا بعيدا».
ولكن ، من الذي يستحق وصف العارف. ان أطباء القلوب والارواح يرون ـ كما يورد ابن القيم ـ أن المعرفة هي العلم الذي يقوم العالم بمقتضاه وموجبه ، فلا يطلقون المعرفة على مدلول العلم وحده ، ولا يصفون بالمعرفة الا من كان عالما بالله ، وبالطريق الموصل الى الله ، وله حال مع الله تشهد له بالمعرفة.
فالعارف من عرف الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله ، ثم صدق الله في معاملته ، ثم أخلص له في قصده ونيته ، ثم انسلخ من أخلاقه الرديئة ، ثم تطهر من أدرانه ومخالفاته ، ثم صبر على أحكام الله في سرائه وضرائه ، ثم دعا اليه على بصيرة بدينه وآياته ، ثم جرد الدعوة اليه وحده بما جاء به رسوله صلىاللهعليهوسلم ، ولم يشبها بآراء الرجال وأذواقهم ومقاييسهم ...
ومن دقائق التعبيرات الدائرة حول فضيلة «المعرفة» قول يحيى بن معاذ : «العارف كائن بائن». ولدقة هذه العبارة تعددت الاقوال في تفسيرها ومعناها : قيل ان معناها أنه كائن مع الخلق بحسه وظاهره ، بائن عنهم بسره وقلبه. وقيل : كائن بربه ، بائن عن نفسه. وقيل : كائن مع أبناء الآخرة ، بائن عن أبناء الدنيا. وقيل : كائن مع الله بموافقته ، بائن عن الناس في مخالفته ...
ويستحسن ابن القيم وجها آخر في التفسير ، هو حسب تعبيره : أنه داخل في الاشياء خارج منها ، فان من الناس من هو داخل فيها ، لا يقدر على الخروج منها ، ومنهم من هو خارج عنها ، لا يقدر على الدخول فيها ، والعارف داخل فيها خارج منها.