وعلامة العارف كما يقول ذو النون ثلاثة : لا يطفىء نور معرفته نور ورعه ، ولا يعتقد باطنا من العلم ينقض عليه ظاهرا من الحكم ، ولا تحمله كثرة نعم الله تعالى عليه وكرامته على هتك أستار محارم الله تعالى :
وهناك لونان من المعرفة ، معرفة ايجابية ، ومعرفة عجز ، أو قل ـ كما يرى أحمد بن عطاء ـ معرفة حق ، ومعرفة حقيقة ، فمعرفة الحق هي معرفة وحدانية الله ، على ما أبرز لخلقه من أسمائه وصفاته ، ومعرفة الحقيقة هي ادراك انه لا سبيل الى ادراك هذه الحقيقة ، لقول الله تعالى :
«وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً»(١).
فلا سبيل الى المعرفة هنا على الحقيقة ، لأن الله عزوجل أبرز لخلقه من أسمائه وصفاته ما علم انهم يطيقونه ، ولكن حقيقة معرفته لا يطيقها الخلق.
ويرى بعضهم أن أعمال الابرار بالعلم ، وأن أعمال المقربين بالمعرفة ، وأن المعرفة فوق العلم ، ويعلق ابن القيم على ذلك بقوله : «وهذا كلام يصح من وجه ، ويبطل من وجه ، فالابرار والمقربون عاملون بالعلم واقفون مع أحكامه ، وان كانت معرفة المقربين أكمل من معرفة الابرار ، فكلاهما أهل علم ومعرفة ، فلا يسلب الابرار المعرفة ، ولا يستغني المقربون عن العلم.
وقد قال النبي صلىاللهعليهوآله لمعاذ بن جبل. انك تأتي قوما أهل كتاب ، فليكن أول ما تدعوهم اليه شهادة ان لا اله الا الله ، فاذا هم عرفوا الله ، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة» فجعلهم عارفين بالله قبل اتيانهم بفرض الصلاة والزكاة ، بل
__________________
(١) سورة طه ، الآية ١١٠.