الستر ، ويأخذون عنها ويرجعون إليها» وامتازت السيدة أروى بالصلاح والتقوى والخبرة الواسعة ، والمعرفة الفائقة بأحوال الناس ، ممّا ساعدها على إدارة شئون بلادها في ظروف سيئة أحاطت بها. والظاهر أن الإمام المستنصر قدر لها خدماتها ونبوغها وفضّلها فقدمها على الفضلاء من كبار رجال الدعوة ورفعها إلى مقامات الحجج : «وقد استحقت التقديم والتفضيل على الفضلاء من الرجال. وكان الإمام المستنصر أصدر إليها أجل أبواب دعوته ، فأفادها من علوم الدعوة ورفعت عن حدود الدعاة إلى مقامات الحجج ...» (١).
ولم يعمر ولدها عبد المستنصر طويلا ، فقد وافته المنية إثر مرض عضال ، فعاد الخلاف بذر قرنه من جديد بين الداعي سبأ بن أحمد المظفر ـ الذي كان يهدف إلى حكم اليمن والتزوج من السيدة الحرة ـ وبين السيدة الحرّة التي أظهرت عدم رغبتها في هذا الزواج واستعدت للقتال. وبالفعل اشتعلت نيران الحرب بينهما أياما ، وكادت أن تعم جميع أنحاء المملكة اليمنية لو لا أن تدخل قسم كبير من الأمراء الصليحيين والزواحيين لفض النزاع ، خشية أن تتعرض الدعوة للانهيار ، وبنفس الوقت أعلنت السيدة الحرة أنّها لن تجيب الداعي سبأ إلى مراده إلّا بأمر الإمام المستنصر. فأوفد الداعي سبأ وفدا إلى الإمام المستنصر يعرض عليه الأمر عسى أن يوافق على هذا الزواج حرصا على وحدة الصف وحقنا لدماء الإسماعيلية. ومن الطبيعي أن لا يرضى الإمام عن بقاء هذا النزاع بين أتباعه ، فكتب إلى السيدة الحرة يأمرها بقبول أمر الزواج. وتحقيقا لرغبة الإمام قبلت السيدة الحرّة أن تصبح زوجة للداعي سبأ. ومع هذا فإنّها لم تمكّنه من السيطرة على شئون البلاد ، بل استأثرت بالسلطة وظلت على إخلاصها للمستنصر حتى وفاته (٢).
__________________
(١) عيون الأخبار ج ٧ ص ٢٠٧ والصليحيون : ١٤٣ ـ ١٤٤ واعلام الإسماعيلية ص ١٤٤.
(٢) الصليحيون : ١٥٧ وما بعدها.