كتمت وفاة زوجها حتى ورود سجل المستنصر بالله : «.. كتمت الحرّة الملكة الأمر إلى أن جاءها سجل أمير المؤمنين المستنصر بالله بإقامة ولد المكرم الأصغر عبد المستنصر علي بن المكرم أحمد» (١) كما أمر الإمام بأن ترسل كل المراسلات إلى علي بن المكرم ، وكلّفه بالقيام بمرافق الدعوة وأمور الدولة بقوله : «... وقد رأى أمير المؤمنين أن يصطنعك ويلحقك برتبة أبيك وينصبك منصبه ويرقى بك درجته ... وأمره ـ أي الأمير أبو الحسن جوهر المستنصري ـ أن يقلدك النظر فيما كان أبوك تقلده من الدعوة الهادية والأحكام في سائر اليمن وسائر الأعمال المضافة إليه برّا وبحرا وسهلا ووعرا ونازحا .. ودانيا وقريبا ونائيا .. حتى خصّك من ملابس الإمامة بشريف الحباء» (٢).
وهكذا ظلّت السيدة الحرّة بعد موت زوجها تدير دفة السياسة اليمنية ، فأظهرت كفاءة نادرة في إدارة شئون البلاد ، ويقظة تامة في كل ما يتعلّق بأمور الدعوة الإسماعيلية. وحرصت أشد الحرص على تمتين العلاقة مع إمامها المستنصر بالله الخليفة الفاطمي ، فتفانت في إطاعة أوامره وتنفيذها بدقة ، ممّا جعل الإمام يوليها ثقته ويفوضها في أمر تعيين الدعاة في المناطق البعيدة عن اليمن.
وتوضح السجلات التي كان يزودها بها الإمام المستنصر بالله من وقت لآخر مدى تقديره لإخلاصها وتشيد بإيمانها العميق وبمقدرتها السياسة.
وعند ما يتعرض المؤرخ الإسماعيلي إدريس عماد الدين لذكرها يقول : «كانت الملكة الحرّة متبحرة في علم التنزيل والتأويل ، والحديث الثابت عن الأئمة والرسول عليهمالسلام ... وكان الدعاة يتعلّمون منها من وراء
__________________
(١) عيون الأخبار ج ٧ ص ١٢٦ ـ ١٣٠ والصليحيون : ١٤٨.
(٢) السجل رقم ١٤ من السجلات المستنصرية ، والصليحيون : ١٤٨.