ولشدة تعلق علي الصليحي بحب الإمام المستنصر وتمسكه بأهداب الدين كتب إليه أن يأذن له بالسفر إلى القاهرة للمثول بين يديه ، كذلك طلب من الإمام المستنصر السماح له بأداء فريضة الحج «ليطهر نفسه من دنس الدنيا ، وليقضي على الفساد الذي حل بالحرم المعظم ، ويقوم منآده ، ويقيم للعدل عماده ، ويعمر طرقه للسفر ، ويطهرها من المفسدين» (١) فوافق الخليفة المستنصر على طلبه وأرسل إليه سجلا بذلك مؤرخا في شهر ربيع الأول سنة ٤٥٩ ه ، وفيه نصح لداعيه بأن يعالج الأمور في تلك الجهات بتأليف القلوب وتجنب الحروب ، وأن يؤثر الخير والعافية ما استطاع ، وأن يجنب نفسه والناس الفتنة ما وجد إلى ذلك سبيلا ، وقال : «.. وأنت خير من لحظته عين الإمامة بالاصطناع .. وإن أمكنك ذلك المكان ، بتأليف القلوب ، وتجنب سورة الحروب ، فوا برد ذلك على الأكباد ، إنّه لآية المراد ، وغاية قصد القصاد» (٢) وفي ختام السجل ينصح الإمام الصليحي بعدم القدوم إلى القاهرة في الوقت الحاضر لأنّه يشفق عليه لبعد الطريق ومشقته.
ولما وصل سجل الإمام كان علي الصليحي في طريقه إلى الحج بعد أن استخلف ابنه أحمد المكرم على صنعاء ، وأنابه عنه في حكم البلاد وأوصاه «بالعدل وحسن السيرة والسياسة ، وتقوى الله في الجهد والسريرة ، والعمل بأعمال الشريعة واقامة دعائمها ، والائتمار بأوامرها ، والانتهاء عن محارمها» (٣) وكان مسيره من صنعاء في يوم الاثنين السادس من ذي القعدة سنة ٤٥٩ ه. وما كاد موكب الصليحي يحط الرحال في قرية (أم الدهيم) حتى فاجأه سعيد الأحول على رأس جماعة من العبيد والأحباش. وبعد معركة طاحنة استمرت
__________________
(١) عيون الأخبار ج ٧ ص ٩٠.
(٢) الصليحيون والحركة الفاطمية في اليمن ص ٩٧.
(٣) المصدر نفسه ص ٩٨.