على إخلاصه وولائه للإمام الإسماعيلي واستمر الأمر كذلك حتى كانت سنة ٤٣٩ ه حين تسلم الداعي علي بن محمد الصليحي شئون الدعوة خلفا للداعي الشيخ سليمان بن عبد الله الزواحي الذي تولاها بعد أن فترت إثر وفاة ابن حوشب وانقسام أبنائه على أنفسهم. فاجتمع بفريق من قومه همدان ودعاهم إلى نصرته ومؤازرته في دعوته ، فأجابوه وبايعوه ـ كانوا ستين رجلا من رجالات عشيرته ـ على الموت أو الظفر بقيام الدعوة الإسماعيلية. وبذلك اشتد ساعده ، وتمكن من تكوين جماعة صغيرة مخلصة ، وبدأ يستعد للثورة ، فاتخذ حصن مسار بجبل حراز مقرا له وما زال يستميل الناس حتى اجتمع إليه خلق كثير.
وفي سنة ٤٥٥ ه تمكن من احتلال اليمن بكاملها بعد القضاء على دولة نجاح ، فملك قلاعها وحصونها ومدنها وسهلها وجبلها وشمل سلطانه مكّة وحضرموت ، واتخذ صنعاء عاصمة لملكه فبنى فيها عدة قصور ، ووحد البلاد تحت علم واحد ، وأخذ ينظم سياسة الدولة وإدارتها. وولى من يثق بهم الحصون والبلاد ، واستعمل ابنه أحمد بن علي المكرم على الجند وما يليها. وأعاد الدعوة وتنظيماتها إلى ما كانت عليه قبل وفاة ابن حوشب ، وأقام الخطبة للإمام المستنصر ولزوجته السيدة الحرّة أسماء بنت شهاب. وبذلك زالت الخلافة العباسية من بلاد اليمن.
وبلغ من ثقة الإمام المستنصر بعلي الصليحي واطمئنانه إلى إخلاصه وولائه أن منحه الألقاب التالية : «الأمير الأجل ، شرف المعالي ، تاج الدولة ، سيف الإمام ، المظفر في الدين ، نظام المؤمنين ، منتخب الدولة وصفوتها ، ذو المجدين ، منجب الدولة وغرسها ، ذو السيفين ، نجيب الدولة وصنيعتها ، ذو الفضلين». (١)
__________________
(١) سجلات وتوقيعات المستنصر رسالة رقم ٣ ص ٣٤ ، والصليحيون والحركة الفاطمية في اليمن للهمداني ص ٦٣.