فسررت واستحسنت ذلك الفأل لما سمعته ، ووافيت مكّة في حين قدوم الحاج من اليمن ..». وبعد أن أدى وصاحبه مناسك الحج تابعا السير جنوبا حتى وصلا إلى (غلافقه) في أول سنة ٢٦٨ ه وكانت في ذلك الوقت (زبيد) بندر المدينة على ساحل البحر الأحمر. وهنا افترق الداعيان بعد أن اتفقا على أن يتصل كل واحد منهما بصاحبه ليتعرف أحواله ، فاتجه أبو القاسم إلى مدينة الجند ، وكانت غايته عدن لاعة لأنّها كما قال الإمام الحسين لأبي القاسم : «أقوى لأمرك وأمضى لناموسك» (١). وبالفعل وصل إلى عدن لاعة عن طريق بعض تجار هذه المدينة من بني موسى ، وكان قد تقابل معهم في عدن أبين ، ولما وصل لاعة أخبره من بها من أهل الدعوة أن الداعي أحمد بن عبد الله بن خليع كان قائما بالدعوة ، ولكن الأمير ابن جعفر قبض عليه ، وتوفي منذ عهد قريب وهو في السجن ، فنزل أبو القاسم في دار من دور ابن خليع ، وتزوج ابنته وتقلد مقاليد الدعوة هناك.
أما علي بن الفضل فقد اتجه إلى بلاد يافع الجبلية ، بالقرب من الجند. ونهج الداعيان منهجا واحدا في نشر نفوذهما في بلاد اليمن ، وقد اتخذا الدين وسيلة لنشر هذا النفوذ. فأظهر كلّ منهما الزهد والتقشف والصلاح عملا بوصية الإمام الحسين إليهما ، كما تظاهر كل منهما بالتفقه في الدين والتضلع في المذاهب السنية ، وكانا يأمران بالمعروف وينهيان عن المنكر ، فمال إليهما كثير من أهل اليمن ، وأقبلوا عليهما من كل فج وخاصة بعد أن أظهرا دعوتهما علنا سنة ٢٧٠ ه بعد أن قاما بها سرّا لمدة سنتين. فأصبح لكل منهما جماعة كبيرة تخلص له الإخلاص كلّه ، وبعد أن قوي حزب كل منهما في جهته عمل على الحصول على الأموال لتنفيذ مخططه ، وللدفاع عن
__________________
(١) افتتاح الدعوة للقاضي النعمان الورقة ١٣.