لو لا أنّنا عثرنا على السجل الذي أرسله الآمر قبل مصرعه بوقت قصير إلى الملكة الحرّة أروى الصليحية يبشرها فيه بولادة الطيب ، في كتاب تاريخ اليمن للمؤرخ المعاصر لتلك الفترة عمارة اليمني الحكمي (٥١٥ ـ ٥٦٩) علما بأن عمارة لم يكن طيبيا ولا مجيديا ولا فاطميا في ميوله المذهبية ، وكان من المؤرخين الفقهاء والمطلعين الملمين بحقائق الأمور في مصر واليمن إبان الحكم الفاطمي. والذي يجعلنا نعتمد ما أورده عمارة أنه تحدث عن هذا السجل وظروفه ومناسباته في الوقت الذي كان يعيش فيه في مصر بين أتباع الفرقة المستعلية المجيدية الذين كانوا من ألد خصوم الفرقة الطيبية ، بدون خوف ولا وجل. وبالرغم من كل هذا سيظل الشك يراود مخيلتنا فنتساءل عن سبب ستر الإمام الطيب بعد أن تم نقله إلى مكان أمين في كنف الحرة أروى الصليحية باليمن؟ ومن حقنا أن نتساءل ونشك حتى نصل إلى عين الحقيقة التي يقبلها العقل والمنطق. ولو فرضنا جدلا أن الدعاة في القاهرة ستروا الإمام الطيب خوفا عليه من الوزير ابن الأفضل ، فهل يظل مستورا هو وعقبه إلى الأبد وقد أصبح في مكان تتوفر فيه الطمأنينة على حياته؟ ونحن نعلم ـ دون كبير عناء ـ أن نظام الستر الإسماعيلي له ترتيب وقواعد لا يصح تجاوزها مطلقا. فاستتار الإمام الطيب وعقبه منذ ذلك الوقت حتى الآن وإلى ما لا نهاية يخالف الأصول والأحكام الإسماعيلية ، ويعود بالدعوة القهقرى (١). ومهما تكن ظروف هذه الأسطورة وملابساتها فقد أدت إلى انقسام الإسماعيلية المستعلية إلى فرقتين : الأولى زعمت بوجود الطيب وانتقاله إلى اليمن فعرفت بالطيبية وجعلت مركزها في اليمن واستقلت كليّا عن الخلافة الفاطمية في مصر ، والثانية نادت بإمامة الحافظ عبد المجيد الذي أصبح خليفة لمصر وعرفت بالمجيدية.
__________________
(١) الصليحيون : ١٨٧ ـ ١٨٨.