ويكمّل ما مرّ بنا في الآيات السابقة ، وذلك لأنّ الحديث كان عن حساب سير
الشمس والقمر ، وكذلك عن وجود الميزان في خلق السماوات ، وإجمالاً فإنّه يبيّن
النظام الدقيق للخلقة وحركة الأرض والقمر والشمس ، وكذلك فإنّه يشير إلى النعم
والبركات التي هي موضع استفادة الإنسان.
فإنّ الله
تعالى يؤكّد هذه النعمة بعد نعمة خلق الإنس والجن بقوله : (فَبِأَىّءَالَاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ).
(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ
يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ
لَا يَبْغِيَانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢١) يَخْرُجُ
مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢) فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٣) وَلَهُ
الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٢٤) فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (٢٥)
البحار
وذخائرها الثمينة : استمراراً لشرح النعم الإلهية يأتي الحديث هنا عن البحار ، ولكن ليس عن
خصوصيات البحار بصورة عامة ، بل عن كيفية خاصة ومقاطع معينة منها تمثّل ظواهر
عجيبة وآية على القدرة اللامتناهية للحقّ ، بالإضافة إلى ما فيها من النعم التي هي
موضع استفادة البشرية. يقول تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ
يَلْتَقِيَانِ). ولكن بين هذين البحرين المتلاقيين فاصل يمنع من طغيان
وغلبة أحدهما على الآخر : (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ
لَّا يَبْغِيَانِ).
المقصود من
البحرين هما الماء العذب والماء المالح ، وذلك بالاستدلال بقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ
هذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا
وَحِجْرًا مَّحْجُورًا) .
إنّ الأنهار
العظيمة ذات المياه العذبة عندما تصبّ في البحار والمحيطات فإنّها تشكّل بحراً من
الماء الحلو إلى جنب الساحل وتطرد الماء المالح إلى الخلف ، والعجيب أنّ هذين
الماءين لا يمتزجان مع بعضهما لمدة طويلة بسبب اختلاف درجة الكثافة ؛ وتثير آلاف
الكيلومترات على هذه الصورة.
ومرّة اخرى
يخاطب الله تعالى عباده في معرض حديثه عن هذه النعم حيث يسألهم
__________________