(هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مّن طِينٍ) (١). ثم أصبح بصورة طين خبيث الرائحة : (إِنّى خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصلٍ مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ) (٢). ثم أصبح مادة في حالة لاصقة : (إِنَّا خَلَقْنَاهُم مّن طِينٍ لَّازِبٍ) (٣). ومن ثم يتحول إلى حالة يابسة ويكون من (صَلْصلٍ كَالْفَخَّارِ) كما ذكر في الآية مورد البحث.
هذه المراحل كم تستغرق من الوقت ، وكم هي المدة التي يتوقف فيها الإنسان في كل مرحلة من هذه المراحل ، وفي أي ظروف تحدث هذه التطورات؟
هذه المسائل خفيت عن علمنا وإدراكنا ، والله وحده هو العالم بها فقط.
ثم يتطرق سبحانه لخلق الجن حيث يقول : (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مّن نَّارٍ).
«مارج : في الأصل من مرج على وزن (مرض) بمعنى الإختلاط والمزج ، والمقصود هنا اختلاط شعل النيران المختلفة.
ولكن كيف خلق الجن من هذه النيران المتعددة الألوان؟ هذا ما لم يعرف بصورة دقيقة ، كما أنّ الخصوصيات الاخرى عن هذا المخلوق ، قد بيّنت لنا عن طريق الوحي الرباني وكتاب الله الكريم ، ولكن محدودية معلوماتنا لا تعني السماح لنا أبداً بإنكار هذه الحقائق أو تجاوزها ، خاصة بعد ما ثبتت عن طريق الوحي الإلهي. (وسيكون لنا إن شاء الله شرح مفصّل حول خلق الجن وخصوصيات هذا المخلوق في تفسير سورة الجن).
وبعد أن تحدّث عن النعم التي كانت في بداية خلق الإنسان يكرّر تعالى قوله تعالى : (فَبِأَىّءَالَاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ).
في الآية اللاحقة يستعرض نعمة اخرى ، حيث يقول سبحانه : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ).
بما أنّ الشمس في كل يوم تشرق من نقطة وتغرب من اخرى ، وبعدد أيام السنة لها شروق وغروب ، ولكن نظراً للحدّ الأكثر من الميل الشمالي للشمس والميل الجنوبي لها ، ففي الحقيقة أنّ للشمس مشرقين ومغربين والبقية بينهما.
إنّ هذا النظام الذي هو سبب وجود الفصول الأربعة له فوائد وبركات كثيرة ، ويؤكّد
__________________
(١) سورة الأنعام / ٢.
(٢) سورة الحجر / ٢٨.
(٣) سورة الصّافات / ١١.