«الصّاخة : من صخّ وهو الصوت الشديد الذي يكاد يأخذ بسمع الإنسان ، ويشير في الآية إلى نفخة الصور الثانية ، وهي الصيحة الرهيبة التي تعيد الحياة إلى الموجودات بعد موتها جميعاً ليبدأ منها يوم الحشر.
ولذا تأتي الآية التالية ، ولتقول مباشرة : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ).
ذلك الأخ الذي ما كان يفارقه وقد ارتبط به بوشائج الاخوة الحقة!
وكذلك : (وَأُمّهِ وَأَبِيهِ).
حتى : (وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ).
فوحشة ورهبة يوم القيامة لا تُنسي الأخ والام والأب والزوجة والأولاد فحسب ، بل وتتعدى إلى الفرار منهم ، وعندما ستتقطع كل روابط وعلاقات الإنسان الفرد مع الآخرين.
ولكن ... لِم الفرار؟ ... (لِكُلّ امْرِىٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ).
«يغنيه : كناية لطيفة عن شدّة انشغال الإنسان بنفسه في ذلك اليوم ، ولما سيرى من حادث مذهلة ، تأخذه كاملاً ، فكراً وقلباً.
عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال له بعض أهله : يا رسول الله! هل يذكر الرجل يوم القيامة حميمه؟ فقال صلىاللهعليهوآله : ثلاثة مواطن لا يذكر أحد أحداً : عند الميزان حتى ينظر أيثقل ميزانه أم يخفّ ، وعند الصراط حتى ينظر أيجوزه أم لا ، وعند الصحف حتى ينظر بيمينه يأخذ الصحف أم بشماله ، فهذه ثلاثة مواطن لا يذكر فيها أحد حميمه ولا حبيبه ولا قريبه ولا صديقه ، ولا بنيه ولا والديه ، وذلك قول الله تعالى : (لِكُلّ امْرِىٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (١).
وينتقل البيان القرآني ليصور لنا حال العباد بقسميهم في ذلك اليوم ، فتقول :
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ). أي مشرقة وصبيحة.
(ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ).
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ).
تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ).
أي تغطيها ظلمات ودخان.
(أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ).
«مسفرة : من الأسفار ، بمعنى الظهور بياض الصبح بعد ظلام الليل.
__________________
(١) البرهان في تفسير القرآن ٥ / ٥٨٦.