«غلب : على وزن (قفل) ، جمع (أغلب) و (غلباء) ، بمعنى غليظ الرقبة ، فلآية إذن ترمز إلى الأشجار الشاهقة المتينة.
ثم يضيف : (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا).
«الأبّ : (بتشديد الباء) ، هو المرعى المُهيأ للرعي والحصد ، وهو في الأصل بمعنى التهيؤ ، اطلق على المرعى لما فيه من أعشاب يكون بها مهيئاً لاستفادة الحيوانات منه.
ويواجهنا سؤال : إذا كانت الآيات السابقة ذكرت بعض أنواع الفاكهة ، والآية المبحوثة تناولت الفاكهة بشكل عام ، هذا بالإضافة إلى ذكر ال حدائق في الآية السابقة والتي قيل أنّ ظاهرها يشير إلى الفاكهة ... فلِم هذا التكرار؟
الجواب : إنّ تخصيص ذكر العنب والزيتون والتمر (بقرينة ذكر النخل) ، إنّما جاء ذكرها لأهميتها المميزة على بقية الفاكهة.
أمّا لماذا ذكرت الحدائق بشكل منفصل عن الفاكهة؟ فيمكن حمله على ما للحدائق من منافع خاصة بها ، ولا تشترك الفاكهة فيها ، كجمالية منظرها وعذوبة نسيمها وما شابه ذلك ، بالإضافة إلى استعمال أوراق الأشجار وجذورها وقشور جذوعها كمواد غذائية (كالشاي والزنجبيل وأمثالها) ، أمّا بالنسبة للحيوانات ، فأوراق الأشجار المختلفة من أفضل أغذيتها عموماً ... فالآيات إذن كانت في صدد الحديث عن غذاء الإنسان والحيوان.
ولذلك ... جاءت الآية التالية لتوضيح هذا المعنى : (مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ).
والمتاع : هو كل ما يستفيد منه الإنسان ويتمتع به.
(فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) (٤٢)
صيحة البعث ... : وينتقل الحديث في هذه الآيات إلى يوم القيامة وتصوير حوادثه ، وما سيؤول إليه أحوال المؤمنين الكافرين ، كل بما كسبت يداه وقدّم.
فمتاع الحياة الدنيا وإن طال فهو قليل جدّاً في حساب حقيقة الزمن ، وأنّ خالق كل شيء لعظيم في خلقه وشأنه ، وأنّ المعاد حق ولابدّ من حتمية وقوعه.
ويقول القرآن الكريم : (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ).