الغذاء من أقرب الإشياء الخارجية من الإنسان وأحد العوامل الرئيسية في بناء بدنه ، ولولاه لتقطّعت أنفاس الإنسان وأسدلت ستارة نصيبه من الحياة ، ولذلك جاء التأكيد القرآني على الغذاء وبالذات النباتي منه دون بقية العوامل المسخّرة لخدمة هذا المخلوق الصغير في حجمه.
ومن الجلي أنّ النظر المأمور به في الآية جاء بصيغة المجاز ، واريد به التأمل والتفكير في بناء هذه المواد الغذائية ، وما تحويه من تركيبات حياتية ، وما لها من تأثيرات مهمّة وفاعلة في وجود الإنسان ، وصولاً إلى حال التأمل في أمر خالقها جلّ وعلا.
وهكذا النظر إلى كيفية حصوله ... فهل كان من حلال أم من حرام؟ هل هو مشروع أم غير مشروع؟ أي ينظر إلى طعامه من جانبيه الأخلاقي والتشريعي.
وقد ذُكر في بعض روايات أهل البيت عليهمالسلام إنّ المراد ب الطعام في الآية هو (العلم) لأنّه غذاء الروح الإنسانية.
في الكافي : زيد الشحام عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام في قول الله عزوجل (فَلْيَنْظُرِ الْإِنسنُ إِلَى طَعَامِهِ) قال : قلت ما طعامه؟ قال : علمه الذي يأخذه عمن يأخذه.
نعم ... ينبغي على الإنسان أن يكون دقيقاً في متابعة مصدر ومنبع علمه ليطمئن لغذائه الروحي ، وليأمن بالنتيجة من مدلهمات الخطوب التي تؤدّي لمرض الروح أو هلاكها.
ثم يدخل القرآن في شرح تفصيلي لماهية الغذاء ومصدر تشكيله ، فيقول (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا).
«الصب : إراقة الماء من أعلى ، وجاء هنا بمعنى هطول المطر. نعم .. فالماء مصدر رئيسي للحياة ، وهو على الدوام ينزل من السماء وبغزارة ليجسد لطف الله تعالى على خلقه.
كيف لا ، وكل العيون والآبار والقنوات والأنهار قد استمدت أساس وجودها من الأمطار.
وبعد ذكر نعمة الماء وما له من أثر حيوي ومهم في نمو النباتات ، ينتقل البيان القرآني إلى الأرض ، فيقول : (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا).
إنّ الآية تشير إلى عملية شقّ الأرض بواسطة النباتات التي تبدأ بالظهور على سطح الأرض بعد عملية بذر الحبوب ، والعلمية بحدّ ذاتها مدعاة للتأمل ، إذ كيف يمكن لهذا العشب الصغير الناعم أن يفتت سطح التربة مع ما لها من صلابة وخشونة ، بل ونرى في