«بررة : جمع بار ، من البَرّ ، بمعنى التوسع ، ولذا يطلق على الصحراء الواسعة اسم (البَرْ) ، كما يطلق على الفرد الصالح اسم (البار) لوسعة خيره وشمول بركاته على الآخرين.
والبررة : في الآية ، بمعنى إطاعة الأمر الإلهي ، والطهارة من الذنوب.
وعلى الرغم من توفير مختلف وسائل الهداية إلى الله ، ومنها ما في الصحف المكرمة من تذكير وتوجيه .. ولكن الإنسان يبقى عنيداً متمرداً : (قُتِلَ الْإِنسنُ مَا أَكْفَرَهُ).
«الكفر : في هذا الموضع قد يحتمل على ثلاثة معان ... عدم الإيمان ، الكفران وعدم الشكر ... جحود الحق وستره بأيّ غطاء كان وعلى كل المستويات.
(قُتِلَ الْإِنسنُ) : كناية عن شدّة غضب الباري جلّ وعلا ، وزجره لمن يكفر بآياته.
ثم يتعرض البيان القرآني إلى غرور الإنسان الواهي ، والذي غالباً ما يوقع صاحبه في هاوية الكفر والجحود السحيقة : (مِنْ أَىّ شَىْءٍ خَلَقَهُ).
لقد خلقه من نطفة قذرة حقيرة ، ثم صنع منه مخلوقاً موزوناً مستوياً قدّر فيه جميع اموره في مختلف مراحل حياته : (مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ).
فالنظرة الفاحصة الممعنة في خلق الإنسان من نطفة قذرة وتحويله إلى هيئته التامّة المقدرة من كافة الجهات ، ومع ما منحه الله من مواهب وإستعدادات ... لأفضل دليل يقودنا بيسر إلى معرفته جلّ اسمه.
«قدّره : من التقدير ، وهو الحساب في الشيء.
والتقدير بمعنى إيجاد القدرة في هذه النطفة المتناهية في الصغر.
فما أجلّ الإله الذي الذي جعل في موجود ضعيف كل هذه القدرة والإستطاعة ، فترى النطفة بعد أن تتحول إلى الإنسان تسير وتتحرك بين أقطار السماوات والأرض ، وتغوص في أعماق البحار وقد سخرت لها كل ما يحيط بها من قوى.
ويستمر القرآن في مشوار المقال : (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) ... يسّر له طريق تكامله حينما كان جنيناً في بطن امّه ، يسّر له سبيل خروجه إلى الحياة من ذلك العالم المظلم.
ومن عجيب خلق الإنسان أنّه قبل خروجه من بطن امّه يكون على الهيئة التالية : رأسه إلى الأعلى ورجليه إلى الأسفل ، ووجهه متجهاً صوب ظهر امّه ، وما أن تحين ساعة الولادة حتى تنقلب هيئته فيصبح رأسه إلى الأسفل كي تسهل وتتيسّر ولادته.
وبعد ولادته يمرّ الإنسان في مرحلة الطفولة التي تتميز بنموه الجسمي ، ثم مرحلة نمو