التالية إذ يقول لهم : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
عبارة (بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) إشارة إلى أنّ هذه المواهب لا تعطى لأيّ كان من دون عمل ، ولا يمكن حصولها بالإدّعاء والتخيل والتصوّر ، وإنّما يمكن نيلها والحصول عليها بالأعمال الصالحة فقط.
«هنيء : على وزن (صبيح) هو كل شيء ليست فيه مشقة ولا يستتبعه قلق.
وهذا إشارة إلى أنّ فواكه الجنة وأغذيتها وأشربتها ليست كأغذية الدنيا وأشربتها التي تترك أحياناً آثاراً سيئة في البدن ، أو تترك أعراضاً غير مُرْضية.
ثم تؤكد الآية الاخرى على مسألة النعم وأنّها لا تمنح اعتباطاً فيضيف : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ).
وفي نهاية هذا المقطع يعيد تلك الآية : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذّبِينَ). الويل لمن يُحْرَم من كل هذه النعم والألطاف ، إذ إنّ عذاب حسرات هذا الحرمان ليس بأقل من نيران الجحيم المحرقة!
وبما أنّ إحدى عوامل إنكار المعاد الإهتمام بلذّات الدنيا الزائلة والميل إلى الحرية المطلقة للإنتفاع بهذه اللذّات ، يتوجه بالحديث في الآية التالية إلى المجرمين بلحن تهديدي فيقول : كلوا وتمتعوا بالملذات الدنيوية في هذه الأيّام القلائل ، ولكن اعلموا أنّ العذاب الإلهي ينتظركم ، لأنّكم مجرمون : (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ).
عبارة (إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ) تشير إلى أنّ مصدر العذاب الإلهي هو عمل الإنسان وذنبه ، الناشيء من عدم الإيمان أو الأسر في قبضة الشهوات.
ثم يكرر التهديد بجملة : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذّبِينَ). هم اولئك الذين غُرّروا وخدعوا بزخارف الدنيا ولذاتها وشهواتها واشتروا عذاب الله.
وأشار في الآية الاخرى إلى عامل آخر من عوامل الانحراف والتعاسة والتلوث ، وقال : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَايَرْكَعُونَ).
إنّهم لم يأبوا الركوع والسجود فحسب ، بل إنّ روح الغرور والكِبَر هذه كانت منعكسة على جميع أفكارهم وحياتهم ، فما كانوا يسلّمون لله ، ولا لأوامر النبي صلىاللهعليهوآله ، ولا يقرّون بحقوق الناس ، ولا يتواضعون لله تعالى وللناس.
ثم يعيد هذه الآية للمرّة العاشرة والأخيرة إذ يقول : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذّبِينَ).