وتعالى (وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) : الله أجل وأعدل وأعظم من أن يكون لعبده عذر لا يدعه يعتذر به ، لكنه فلج فلم يكن له عذر.
ثم يكرر تعالى في نهاية هذا المقطع قوله : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذّبِينَ).
في المقطع الآخر يوجه الخطاب إلى المجرمين ليحكي عما يجري في ذلك اليوم فيقول تعالى : (هذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ). جمعنا في هذا اليوم جميع البشر من دون استثناء للحساب ، وفصل الخصام في هذه العرصة والمحكمة العظمى.
ويقول : والآن إذا كان لكم قدرة على الفرار من العقاب فاعملوا ما بدا لكم : (فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ).
هل تستطيعون دفع الفدية لتتحرروا؟
أو هل يمكنكم الهرب من دائرة نفوذ حكومتي؟
أو أنّ لكم القدرة على أن تخدعوا الملائكة الموكّلين بكم وبحسابكم؟
اعملوا ما بدا لكم ولكن اعلموا أنّكم لا تستطيعون!
ثم أنّه تعالى أعاد تلك الجملة المهددة والمنبّهة مرّة اخرى ، وقال : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذّبِينَ).
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (٥٠)
من المعلوم في منهج القرآن أنّه يمزج الإنذار بالبشارة ، والتهديد بالترغيب ، وكذلك يذكر مصير المؤمنين في مقابل مصير المجرمين لفهم المسائل بصورة أكثر بقرينة المقابلة ، وعلى أساس هذه السنّة المتّبعة في القرآن ، فإنّ هذه الآيات وبعد بيان العقوبات المختلفة للمجرمين في القيامة ، أشارت إلى وضع المتقين في ذلك اليوم فيقول تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى ظِللٍ وَعُيُونٍ). ثم يضيف : (وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ).
والظريف أنّهم في هذا المضيف الإلهي يستضافون بأحسن الوجوه ، كما هو الحال في الآية